السياحة "الحياتية" وحلاوة شمسنا
في التوقيت الذي كنت أفكر في كيفية استغلال شتاء أوروبا القادم، ذلك الشتاء القاسي، في الترويج للسياحة فوجئت برئيس الوزراء يعقد اجتماعا لمتابعة خطوات تنفيذ حملة ترويجية عالمية لمختلف البرامج والمقاصد السياحية في مصر، وذلك بحضور الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان، والدكتور محمد معيط، وزير المالية، والفريق محمد عباس حلمي، وزير الطيران المدني، وأحمد عيسى، وزير السياحة والآثار، وأحمد الوصيف، رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية، ومسئولي الوزارات والجهات المعنية.
وأشار رئيس الوزراء، في مستهل الاجتماع، إلى أن مصر لديها فرصة استثنائية خلال فصل الشتاء القادم لجذب أكبر عدد ممكن من السائحين، وذلك في ظل الأزمة العالمية الحالية، مؤكدا ضرورة سرعة الترويج للمقاصد السياحية، واستهداف المزيد من الأسواق الجديدة، سعيا لزيادة حركة السياحة الوافدة لمختلف المدن المصرية، وخاصة شرم الشيخ، والغردقة، ومرسى علم، لافتا إلى ما تتمتع به مصر من تنوع في مقاصدها السياحية، قائلا: "علينا استغلال ما نتمتع به من تنوع في المقاصد السياحية في زيادة أعداد السائحين".
ونوه رئيس الوزراء بأهمية السياحة العلاجية ودورها في زيادة معدل حركة السياحة الوافدة، مؤكدا ضرورة العمل على استهداف المزيد من الوافدين لهذه السياحة تعظيما لما تمتلكه مصر من مقومات وإمكانات في هذا الصدد، مضيفا أنه فيما يتعلق بالسياحة الدينية، فهناك العديد من المشروعات التي يتم تنفيذها حاليا دعما وتعزيزا لهذه السياحة ومنها مشروع تطوير موقع التجلي الأعظم فوق أرض السلام بمدينة سانت كاترين.
وأكد الدكتور مصطفى مدبولي استعداد الحكومة لاتخاذ أي قرار من شأنه زيادة أعداد السائحين الوافدين إلى مصر على الفور، وطلب رئيس الوزراء بأن يتم الاتفاق بين الوزراء والمسئولين المعنيين على خطة عمل تنفيذية، من أجل تحقيق المستهدفات في هذا القطاع الحيوي. وخلال الاجتماع، قدم الدكتور خالد عبد الغفار، عرضا حول الوضع الحالي للسياحة العلاجية في مصر، ومقترحات تطويرها، موضحا أن حجم السياحة العلاجية يمثل نسبة تتراوح ما بين 5 -10% من حركة السياحة العالمية، وينفقون ما يقرب من 439 مليار دولار.
فرص مصر السياحية
بالطبع ذلك الاجتماع المثمر الطيب الجميل يؤكد على فكر مستنير لاستغلال مورد عظيم من موارد الاقتصاد القومي وهو السياحة بتعظيمها، لكن واضح أن الحديث كان عن جانب السياحة العلاجية بتركيز شديد، رغم أن فرصة مصر السياحية القادمة ليست في السياحة العلاجية بصورة أساسية وإنما بالسياحة الحياتية إن جاز هذا التعبير، فأنا أقصد بالسياحة الحياتية تلك السياحة التي تنتشل السائح من ظروف حياتية صعبة في بلده إلى ظروف حياتية أفضل في بلد آخر حتى يستريح فترة من تلك الظروف الحياتية الصعبة في بيئته الأصلية..
وفي هذا الصدد نستطيع أن نؤكد أن المستهدف من السياح هم السياح الأوروبيين؛ لأنه وكما هو معلوم أن الاتحاد الأوروبي على موعد مع شتاء بارد، ليس بسبب درجات الحرارة المتدنية فقط، بل يبدو أن روسيا سترد الدين لدول التكتل عبر الطاقة. فتعتمد دول الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة الكهربائية وتوفير طاقة لوسائل التدفئة، بمتوسط واردات سنوية 155 مليار متر مكعب من روسيا، تشكل نسبتها 41% من إجمالي استهلاكها، وفق بيانات شركة غازبروم عن عام 2021. حتى قطعت روسيا الغاز الطبيعي عن 5 دول أوروبية هي: بولندا، بلغاريا، فنلندا، الدنمارك، وهولندا، بينما أعلنت شركة غازبروم الروسية، قيامها بإيقاف ضخ الغاز لشركة كبرى في ألمانيا. وقد ذكر تقرير متخصص أن بوتين يفضل ترك أوروبا تتجمد بدلًا من التراجع.
وقد قال رئيس الوزراء البريطاني المنتهية ولايته بوريس جونسون: إن الأشهر المقبلة ستكون "صعبة على البريطانيين وستكون فواتير الكهرباء غير قابلة للتصديق". وكتب في مقال لصحيفة "ديلي ميل": "الأشهر القليلة المقبلة ستكون صعبة، وربما صعبة للغاية. فواتير الطاقة لدينا ستكون غير قابلة للتصديق. بالنسبة إلى الكثيرين منا، فواتير تدفئة المنزل مخيفة بالفعل". وفي وقت سابق، أعلنت هيئة تنظيم الطاقة البريطانية "Ofgem" عن زيادة بنسبة 80% في الحد الأقصى لفاتورة الكهرباء المسموح بها للمستهلكين، بدءًا من 1 أكتوبر، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية. وبالتالي، يمكن أن ينمو الحد الأقصى للفاتورة للبريطانيين بنسبة 80% أو 1578 جنيهًا إسترلينيًا.
وحذر رئيس هيئة تنظيم الطاقة البريطانية جوناثان بريرلي، من أنّ أسعار الطاقة من المرجح أن تستمر في الارتفاع، داعيًا رئيس الوزراء القادم لاتخاذ تدابير جديدة لمكافحة ارتفاع الأسعار. ومن أجل تقليل الاستهلاك اقترح اتباع بعض الأساليب مثل إحكام إغلاق النوافذ والأبواب، وتشغيل الأجهزة المنزلية فقط عند الحاجة، والتحول إلى مصابيح توفير الطاقة LED، وغسل الأطباق في وعاء ممتلئ بالماء، والاستحمام تحت الدش بدلًا من الاستلقاء في الحوض، وإيقاف التدفئة في الغرف غير المسكونة، وخفض مستوى التدفئة في باقي الغرف.
إذا الأمور في غاية الصعوبة الحياتية على الفرد الأوروبي، فماذا عن استغلال تلك الفرصة أفضل استغلال وذلك بأن نوفر لذلك الفرد فرصة كبرى للحياة في مصر لمدة شهر أو أكثر على أن يكون السعر في متناول يده، ويشمل كل شيء من زيارات للمعالم السياحية والإقامة والتنقلات إلخ..
فعندما يحسب الفرد الأوروبي حساباته يجد أنه سيستمع بشمس مصر الدافئة وآثارها الخالدة، ويستحم كما شاء وينسى كل همومه ومخاوفه وكل ذلك بمبلغ أقل كثيرا من تكلفة الحياة التي سيحياها في بلده تلك الفترة، فسيسارع في حجز مثل تلك الرحلات والمطلوب من كل الجهات المعنية بالسياحة أن توفر الدعاية اللازمة عن تلك البرامج السياحية بحيث تصل لكل فرد أوروبي بأكثر من طريقة بسيطة ومناسبة، كما تسهل تلك الجهات الإجراءات الخاصة بتلك الرحلات وتوفر الطيران المناسب وتعمل على الالتزام حرفيا بالبرنامج السياحي في مصر؛ لأن السائح هو أهم مروج للسياحة في الخارج، ومصر لديها كل المقومات وخاصة الطاقة المتوفرة التي يبحث السائح عنها فهل نجد جدية في استغلال هذه الفرصة غير المسبوقة؟