صفقة الغرف المغلقة.. كواليس اللمسات الأخيرة بين أمريكا وإيران والغرب لإنهاء أزمة برنامج طهران النووي
يسعى السياسيون الغربيون إلى توفير حزمة مكاسب لإيران رغم كل ضغوط اليمين الأوروبى لاستخدام مطارق من حديد كما كان يفعل دونالد ترامب الرئيس السابق للولايات المتحدة، لكن قادة القارة العجوز يعتبرون التجربة الأمريكية خير دليل على أهمية تحقيق توازن إستراتيجى وإحداث انفراجة فى المحادثات مع إيران دون ضجيج وعبر تدبير صفقة فى الغرب المغلقة لإنهاء المهمة على أكمل وجه.
كانت المفاوضات بين إيران والغرب مرت بمراحل طويلة وعقبات لا تحصى أثناء جولات التفاوض فى فيينا لأحياء الاتفاق النووى الذى تم إبرامه فى 2015، وانسحب منه الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب فى 2018.
مقترح الاتحاد الأوروبى لإيران
وفى سبيل إحياء الاتفاق النووى وتحريك المفاوضات الراكدة بين إيران وأمريكا تقدم الاتحاد الأوروبى بمقترح بعد فشل مفاوضات فيينا، والذى تضمن صياغة نهائية للاتفاق النووى الجديد تسلمته طهران وأعربت عن قبولها به إلا أنها أضافت عليها بعض المطالب، وأرسلت ردا مكتوبا إلى الاتحاد الأوروبى على هذا المقترح بمطالبها لضمان استئناف المفاوضات بشكل أكثر جدية.
وأشارت تقارير إعلامية إلى صفقة مرتقبة أبرمتها طهران وواشنطن تتضمن تبادل السجناء بين الطرفين والإفراج عن 7 مليارات دولار من الأصول الإيرانية المجمدة فى كوريا الجنوبية، والسماح لطهران ببيع 50 مليون برميل نفط خلال 120 يومًا، وكشفت التقارير الإعلامية أن واشنطن وافقت على تخفيف العقوبات عن 155 مؤسسة إيرانية، بالإضافة إلى الإفراج عن ورفع العقوبات عن 17 مصرفًا، ومن المقرر أن يتم تطبيق هذا الاتفاق خلال 4 أشهر.
على جانب آخر رفضت إسرائيل هذه الصفقة معتبرة أنها تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وأبلغ رئيس الوزراء يائير لابيد، الرئيس الأمريكى، جو بايدن أن تل أبيب ستعمل على منع إيران من حيازة سلاح نووى، وأكد لابيد لبايدن أن مسودة الاتفاق مع إيران تشمل تنازلات أكبر من اتفاق 2015، مضيفا أن إسرائيل لن تلتزم بأى اتفاق غربى مع إيران، مشيرا إلى أن مسودة الاتفاق مع طهران تتجاوز الخطوط الأمريكية الحمراء أيضًا.
الاتحاد الأوروبى حاول حلحلة الأزمة، وقال: إنه "يدرس" رد إيران على مقترحه لإعادة إحياء اتفاق عام 2015 النووى الخاص بتسوية الملف من خلال فرض قيود على برنامج طهران النووى، أوضح المسئول عن شئون الاتحاد الأوروبى الخارجية، جوزيب بوريل، أنه تم تلقى الرد الإيرانى فى يوم الإثنين، مضيفا: "نقوم بدراسته ونتشاور مع باقى الشركاء فى خطة العمل الشاملة المشتركة، والولايات المتحدة بشأن طريقة المضى قدما".
بين إيران وأمريكا
الدكتور مهدى العفيفى المحلل السياسى، وعضو الحزب الديمقراطى، يعلق على هذه التفاصيل ويرى أن هناك صفقة مشروطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى للتوصل إلى اتفاق نووى، مشيرا إلى التوافق على تأجيل بعض النقاط الخلافية مثل التمدد الإيرانى فى المنطقة وبرنامج الصواريخ البالستية الذى طورته طهران بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية، ليتم مناقشتها فى جولات أخرى.
وأكد "العفيفى" أن هناك صفقة تمت بالفعل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية منها معاملات تجارية لضمان تعويض النقص فى إنتاج النفط، وذلك عن طريق السماح لطهران ببيع جزء كبير من النفط الذى تنتجه إلى الدول الغربية وليس بالضرورى أن يكون ذلك بصورة مباشرة، وأوضح المهدى أن تلك الصفقة التى تم الكشف عنها مؤخرا ليست صفقة تجارية منفصلة، إنما هى جزأ ضمن الاتفاق النووى الذى تسعى طهران لإبرامه مع الغرب.
وأضاف المحلل السياسى، أنه يتوقع توقيع اتفاق نووى بين إيران وأمريكا والاتحاد الأوروبى فى القريب العاجل، مشيرا إلى أنه لن يكون اتفاق شمال إنما اتفاق جزئى، وسيتم تأجيل بعض النقاط الخلافية إلى مناقشات أخرى.
وأوضح العفيفى أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى عقد اتفاق نووى مع إيران على الرغم من معارضة إسرائيل، لأن بايدن يرى أن عدم وجود اتفاق يضر بالمجتمع الدولى، كما أن العقوبات لم تثنى إيران عن نشاطها المزعزع للاستقرار فى الشرق الأوسط، والانسحاب من الاتفاق زاد من قدرات طهران النووية وتمددها فى الدول المجاورة.
وفى السياق ذاته قال رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية، الدكتور شريف عبد الحميد: إن مسودة نص المقترح المقدم من الاتحاد الأوروبى تدعو إيران إلى الموافقة على معالجة مخاوف الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وأوضح عبد الحميد أن النص الأوروبى يقول إذا تعاونت طهران فإن الولايات المتحدة والأطراف الأخرى فى المحادثات ستحث مجلس الدول الأعضاء فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية على إغلاق التحقيق.
وأضاف شريف عبد الحميد أن الاتحاد الأوروبى صاغ الاقتراح لإدراج حل وسط بشأن تحقيق الضمانات فى نص الاتفاق النووى وفعل ذلك بعلم أمريكا والأطراف الأوروبية الموجودة فى الاتفاق، ونوه رئيس مركز الخليج للدراسات الإيرانية إلى أن النقطة الشائكة فى الاتفاق النووى تتعلق بضمانات للحفاظ على هذا الاتفاق، مشيرا إلى أن مسودة الاتحاد الأوروبى "تفتقر إلى إجابات شفافة " على القضايا التى تثيرها إيران.
أما فيما يتعلق بالصفقة الإيرانية الأمريكية، قال عبد الحميد أن الصفقة تتم عبر قطر والاتحاد الأوروبى لتقريب وجهات النظر، مؤكدا أن واشنطن قالت إنها مستعدة لإبرام اتفاق على الفور لاستعادة الاتفاق الذى أبرم عام 2015، على أساس مقترحات الاتحاد الأوروبى.
وتوقع "عبد الحميد" اقتراب التوقيع على الاتفاق النووى الجديد بين إيران والغرب، خاصة أن أمريكا تدرس رد طهران الآن، مشيرا إلى أنه طالما أن أحالت واشنطن المفاوضات عبر قطر والتنازلات التى قدمها الاتحاد الأوروبى إذا الاتفاق النووى اقترب من النهاية، مستشهدًا بما حدث فى ملف أفغانستان عندما أحيل إلى الدوحة وانتهى بتقريب وجهات النظر بين الجميع.
نقلًا عن العدد الورقي…