رئيس التحرير
عصام كامل

ردود فعل متشككة تجاه دعوة نصر الله للتهدئة ترقبا لموقف تيار المستقبل النهائى.. جعجع: لن أثق فى حزب الله.. الجماعة الإسلامية: الحزب يسعى للتفرغ للجبهة العسكرية فى سوريا


رغم ردود الفعل الأولية الحذرة والمتشككة وأحيانا السلبية من قبل مناوئي حزب الله اللبناني، على دعوة أمينه العام حسن نصر الله أمس الأول الجمعة للتهدئة خلال شهر رمضان وضرورة الحوار حول استراتيجية دفاعية للبنان وقضايا أخرى، إلا أن الدعوة فتحت ثغرة ولو صغيرة في جدار التشنج السياسي السائدة في البلاد.


دعوة نصر الله جاءت في وقت تعقدت فيه الملفات اللبنانية وتشابكت ووصل فيه السجال السياسي لذروته وعلى كل الأصعدة، بدءا من الأزمة السورية مرورا بتعثر تشكيل الحكومة، وفشل انعقاد مجلس النواب، وتغيب وزير الدفاع فايز غصن عن جلسة للجنة الدفاع بشأن أحداث عبرا، وصولا إلى أزمة المفتي محمد قباني.

بل إن الاستقطاب طال الساحة الرياضية، إذ جمد الاتحاد الدولي لكرة السلة "فيبا" مشاركات لبنان الرسميةِ الخارجية لمدة أربع سنوات نتيجة الخلافات الداخلية ذات البعد الطائفي الحزبي أيضا.

كل هذه الخلافات (التي مازالت لحسن الطالع بعيدة عن الشارع)، تحدث تحت وطأة الحرب الدائرة في سوريا والتي تطلق على لبنان كل يوم مئات اللاجئين، إضافة إلى القذائف الشاردة من قبل نظام الأسد، وأنباء عن محاولات اختراق من قبل عناصر أصولية متشددة للانتقام من حزب الله، وسط استقطاب سني شيعي هائل.

ردود فعل قوى 14 آذار على دعوة نصر الله جاءت متشككة وأحيانا سلبية، ولكن لم تكن مكثفة وحادة في سلبيتها كعادة الخطاب السياسي اللبناني، ومال عدد من أعضاء 14 آذار إلى التريث في ردة فعلهم.

وأقوى ردود الفعل جاءت من رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي قلل من أهمية دعوة نصر الله للتهدئة واستئناف الحوار الوطني من جديد.

وأشار جعجع (الذي يعد أحد الأعضاء البازرين في قوى 14 آذار)، إلى انتهاك حزب الله لإعلان بعبدا الذي تم التوافق عليه قبل أقل من عام في جلسات الحوار الوطني بحضور ممثل الحزب محمد رعد، والرئيس ميشال سليمان، وهو الإعلان الذي يدعو للنأي بلبنان عن الصراعات، وتم توثيقه في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

وقال جعجع إنه لن يثق مجددا بحزب الله بعد أن تراجع عن التزاماته في إعلان بعبدا.

أما الجماعة الإسلامية، المتحالفة مع تيار المستقبل وهي صاحبة اهتمام خاص بالشأن السوري فقد اعتبر أحد قياديها وهو عماد الحوت أن دعوة حسن نصر الله للتهدئة هدفها تهدئة الجبهة السياسية اللبنانية الداخلية ليتفرغ للجبهة العسكرية في سوريا.

تيار المستقبل، أكبر مكونات 14 آذار والأكثر اشتباكا في الوقت الحالي مع حزب الله على مستوى السجال السياسي جاءت ردة فعله أكثر تريثا، فرغم أن صحيفة المستقبل الناطقة بلسانه طالبت نصر الله بأن يوجه دعوته للتهدئة إلى نواب حزبه وقيادييه قبل الآخرين، لأنهم مستمرون فيما وصفته بـ"حملتهم الشعواء ضد تيار "المستقبل"، إلا أنه لم يصدر رد فعل رسمي من التيار حتى الآن.

وأبلغ أحد قيادي التيار، وكالة أنباء الشرق الأوسط أنهم بانتظار التشاور حول الدعوة وأمور أخرى ليكون هناك موقف رسمي، حيث سيتم بحث كل الملفات في اجتماع لقيادات التيار بجدة خلال الساعات القادمة. 

وهذا لم يمنع نهاد المشنوق، أحد قيادي المستقبل من التعليق على الدعوة قائلا إن الهدف من دعوة نصر الله للحوار هو تقديم صورة إيجابية هادئة عن حزبه في وقت يجتمع فيه وزراء خارجية الاتحاد الأوربي لإدراج حزب الله على لائحة الإرهاب، ملمحا إلى أن نصر الله لا يفي بوعد ولا يلتزم بعهد، وبالتالي لا يمكن الاعتماد على كلامه أو اعتبار مواقفه مسئولة.

تيار المستقبل وقوى 14 آذار، تبدو أكثر اهتماما بدعوة الحوار التي أطلقها الرئيس اللبناني ميشال سليمان وتزامنت مع خطاب نصر الله تقريبا والتي دعا فيها عقد جلسات الحوار الوطني (الذي يضم قيادات الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية) ولكن بعد تشكيل الحكومة، كما طالب سليمان بضرورة تطبيق اتفاق الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية)، وكذلك ضرورة تفسير العديد من الإشكاليات الدستورية.

وتعتبر مصادر تيار المستقبل أنه من "الجيد أن يقول نصر الله إنه مستعد للتجاوب مع دعوة رئيس الجمهورية، ويؤكدون أنهم ليسوا سلبيين حيالها، لكن مازالوا يدرسونها".

وأهمية دعوة الرئيس اللبناني ميشال سليمان بالنسبة لقوى 14 آذار أنها جاءت في سياق دعوة جميع الأطراف إلى العودة والالتزام قولا وفعلا بإعلان بعبدا، وهو ما يعني أن هيئة الحوار إذا عقدت يفترض أن تتطرق إلى مسألة اشتراك الحزب بالقتال في سوريا، وهو الأمر المناقض لإعلان بعبدا، بحيث سيكون مطروحا على طاولة الحوار موضوع عودته عن هذا التدخل الميداني في الأزمة السورية.

مصادر مقربة من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يقوده الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والذي يأخذ حاليا مواقف وسطية بين حزب الله و14 آذار أفادت بأن دعوة نصر الله إلى الحوار كانت محل بحث خلال الاجتماع المشترك الذي عقِد الأربعاء الماضي بين قيادتي (حزب الله) و(الحزب الاشتراكي)، وطرح الأخير في الاجتماع ضرورة خفض مستوى الاحتقان المذهبي في البلاد والبحث عن مخارج للتأزم.

ووفقا لهذه المصادر، فإن وفد الحزب الاشتراكي نصح قيادة حزب الله بالسعي من أجل الحوار، لا سيما مع (تيار المستقبل)، لعله يخرج لبنان من الدوامة، خاصة أن الوضع الأمني في عدد من المناطق، إضافة إلى استهداف الحزب في بعض مناطق نفوذه جراء تدخله في سوريا، ينذر بمخاوف كثيرة تتطلب تحصين الساحة بحد أدنى من التوافق.

في كل الأحوال، فإن دوامة التصعيد المتواصلة في الخطاب السياسي يمكن أن تأخذ البلاد إلى تصعيد على الأرض، وهو ما يجعل أي دعوة للحوار وسيلة للتنفيس وتقليل الاحتقانات بصرف النظر عن جديتها أو واقعيتها، فالحوار بلا طائل أفضل على الأقل من السجال بلا توقف في مجتمع كل حزب لديه شارعه المتحمس .
الجريدة الرسمية