قتلانا وقتلاكم!
يقول الله تعالى: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
أتعجب من معدومي الضمير الذين يسيسون الموتى .. فلا يصرف وقتا للدعاء بالمغفرة له ولا يصرف وقتا في البحث عن الجاني وتقديمه للعدالة، ولا يصرف وقتا للجلوس لحظة تأمل يعرف لماذا حدث هذا الجرم ؟ ولا يصرف وقتًا لضميره هل شارك في هذه الجريمة أم لا ؟، لكنه سرعان ما يرفق صورة أو يضيف ملفا إلى كتابه السياسي الذي يظهره البطل المحارب من أجل قضية .. بعضهم يفرح بزيادة الضحايا ليثبت أنه مظلوم .. وبعضهم لا يريد الحقيقة إن خالفت ميوله السياسية، فهو سرعان ما يبحث هل المجني عليه ينتمي لنفس الحزب أم لا، حتى يعرف بماذا يسميه مقتولا أم شهيدًا.. هل كان يكره نفس العدو أم لا .. وإن ظهر القاتل الحقيقي هو لا يهمه لكن ما يهمه هو الانتقام من الخصم السياسي فقط .. ماذا لو توقفنا جميعا عن نشر الفتن والشائعات .. ماذا لو تأملنا قوله تعالى: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا"، ماذا لو توقفنا عن قذف الناس بالباطل .. ماذا لو احترمنا إنسانيتنا قبل أن نحترم أحزابنا السياسية؟!
وقفة مع النفس، لتنظر ما تقول وما تكتب هل من أجل أن تحيي الناس جميعا أم من أجل أن تنتقم من خصومك السياسيين فقط .. أم من أجل أن تنفرد بالسلطة وحدك؟، هل ما يحركك هو حب بلدك أم مصالح شخصية وحزبية زائفة وزائلة .. هل ما يحركك هو أن تهزم فلانا وفلانا في مناقشتك السياسية الساخنة .. أم أنت فعلا تبحث عن العدل وتبحث عن حقوق الناس .. وتبحث عن القصاص، وتريد لمصر الخير والسلام، لماذا يصنف القاتلون سياسيا ويصنف المقتولون سياسيا أيضا..
لا أحد يشعر بحجم الخسارة عندما تفقد أم ابنها أو معول عائله، مثل هذه الأم وهذا المعول .. لا تتراقص فرحا بأنك قتلت فيوم القيامة ستقف منفردًا تسأل عن سفك الدماء الذي هو أعظم عند الله من هدم الكعبة، فماذا تقول لربك. وأنت يا من تسيس القضية، وتنافق وتدعي الحزن لأنك تريد الانتقام من طائفة معينة وتريد أن تنتصر لوجهات نظرك المحنكة وتحليلاتك السياسية التي تبهرنا بها، وأنت بداخلك فرحًا بهذا المكسب السياسي!
نعم فرحا بترديد "قتل اليوم منا قتيل حسبنا الله ونعم الوكيل فيك يا فلان"، أي دين هذا وأي مبادئ هذه وأي ضمير هذا .. اتقوا الله في أنفسكم وفي مصركم .. فلندع خلافاتنا السياسية ولنبحث عن إنسانيتنا فقد ماتت عند الكثير .. ماتت مسبقا عند من قال "إيه اللي وداها هناك"، وتموت اليوم عند من يردد نفس المقولة بحجة أنه يرد، وهو يرتكب نفس الجرم الذي عابه عليهم، فقد كان مظلوما أمس ويريد اليوم أن يكون ظالمًا، لا تقف مع الجاني في خندق واحد تدافع عنه وتبرر له .. لأنك ستسأل منفردًا في يوم لا ينفعك أحد سوى قولك وفعلك، سيحاسب من قال "قتلاتنا وقتلاهم"، سيحاسب من قسم شعبا واحدا .. سيحاسب كل من يدعو لفتنة وخراب وفساد، سيحاسب كل قاتل وكل من أعانه على القتل بفعل أو بتحريض.. حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.