حكاية "الغريب".. قائد جاهد عدوان القرامطة.. وساند أهالي السويس في الحصار الإسرائيلي
عُرفت محافظة السويس منذ قديم الزمان باسم بلد "الغريب" ذلك الاسم الذي اشتهرت به نسبة إلى "عبدالله الغريب"، الذي يقع ضريحه داخل مسجد يحمل اسمه بحي الغريب بمحافظة السويس.
كانت للغريب ذلك القائد الفاطمي الشهيد صاحب الكرامات والحُلل، حكايات وروايات شعبية أثبتت أنه من حامل الكرامات التي لا تظهر إلا على أولياء الله الصالحين وخاصته، حيث رويت عنه إحدى الروايات التي ربطته بالمناضل الشيخ حافظ سلامة.
ومن خلال السطور التالية تسرد "فيتو" تاريخ صاحب الضريح الذي جعل محافظة السويس تحمل اسمه حتى الآن.
تسميته بالغريب
سمي عبدالله الغريب الحقيقى بأبو يوسف بن محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عماد، وكان قائدًا عسكريًا عرف بالتقوى والزهد.
قصة القائد الفاطمي مع القرامطة
بدأت شهرته منذ سنة 313 هجرية - 926 ميلادية، عندما اعترض القرامطة الحجيج، بعد أن أدوا الفريضة، فقطعوا عليهم الطريق، وأسروا نسائهم وأبنائهم، وثار الناس فى بغداد، وكسروا منابر المساجد في يوم جمعة، وصرخت النساء في الطرقات مطالبات بالقصاص من القرامطة.
أزداد مسلسل عدوان القرامطة على المدن والحجاج وظل يتكرر، دون رادع حتى لم تسلم منهم مدينة "مكة" عروس المدائن حيث قاموا بالاعتداء عليها وعلى مقدساتها سنة 317 هجرية- 929 ميلادية، ولكن عندما علم عبدالله المهدى (مؤسس الدولة الفاطمية)، بنبأ مهاجمة القرامطة لمصر وللحجاج، أرسل أبا يوسف، " عبدالله الغريب" على رأس حملة عسكرية إلى مصر عام 320 هجرية.
فتقدمت الحملة من القاهرة حتى بلبيس ومنها إلى" القلزم"، "السويس" حاليا والتقى مع القرامطة في معركة حاسمة، واستشهد في المعركة ليلة الجمعة التي كانت توافق 17 من شهر ذي القعدة عام 320 هجرية، ودفن في الضريح الذي أقامه له أهل "السويس" حتى الآن مع 4 من مشايخ الصوفية، الذين كانوا معه في المعركة وهم الشيخ عمر، والشيخ أبو النور والشيخ حسين، والشيخ الجنيد.
أصل تسميته
وترجع سبب تسمية "عبدالله الغريب" بهذا الاسم إلى أهل السويس، فهم من أطلقوا عليه هذا الاسم، مرجعين ذلك إلى أن البشر كلهم عبيدالله لذا فهو عبدالله، وحضر فى مهمة تتعلق بتأمين طريق حجاج البيت الحرام، أما لفظ "الغريب" فلكونه ليس من أبناء السويس، وإنما ترجع أصوله إلى المغرب فأصبح عبدالله الغريب.
و يطلق على المنطقة التي تحوي مسجد وضريح الغريب، "حى الغريب"، وهو من أشهر وأقدم الشوارع فى السويس ويعتقد بعض المؤرخين أن سيدى الغريب هو السبب وراء تسمية القلزم بالسويس، وذلك لأنه كان ينادى على الناس أثناء معركته مع القرامطة ويقول: "أقدموا سواسية ترهبون أعداء الله".
يذكر أن قبر الغريب أصبح بعد وفاته مزارًا لحجاج بيت الله الحرام وبه بئر للسقاية، ومن بركات هذا المكان أنه فى حرب 1973 وعندما حاصر اليهود المدينة وقطعوا عنها المياه الحلوة من ترعة الإسماعيلية لإجبار المدينة على الاستسلام، تفجر فيها إحدى الآبار القديمة لتروى أهل السويس وأبطال المقاومة الشعبية أثناء الحصار.
كما روى إن الخديو عباس بنى مسجدًا على قبر البطل الفاطمى "عبدالله الغريب"، ثم قامت حكومة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتجديد المسجد وتوسعة الميدان، ونقلت للمسجد الجديد رفات الولى الصالح عبدالله الغريب ورفقائه الأربعة، وقد عثر فى قبره أثناء توسيع المسجد على لوحة رخامية كتب عليها: «بسم الله الرحمن الرحيم، اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم»، هذا قبر أبى يوسف يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عماد.
علاقة الغريب بالمناضل الشيخ حافظ سلامة
وروي عن أهالي محافظة السويس، قصة عجيبة يتم تناقلها بين الأجيال في قصة نقل الرفات إنه عندما بدأ العمل في توسعة المسجد أراد العمال نقل رفات" سيدى الغريب"، وعندما بدأت عملية البحث عن الرفات لم يجدوا شئ، مما دفع البعض للتشكيك فى قصة سيدى الغريب، واعتبروها حكاية خرافية ليس لها أساس من الصحة، إلا أن القائد الفاطمى جاء فى المنام في رؤيا للشيخ حافظ سلامة، وأخبره أنهم يحفرون فى المكان الخطأ ودله على المكان الصحيح، وبالفعل أخبر الشيخ القائمين على العمل بالمكان الصحيح، كما شاهد فى الرؤيا، فوجدوا جثمانه كما هو لم يتحلل وبجواره قدمه التى قطعت أثناء المعركة كما كان يحكى أهل السويس، واعتبر السوايسة يوم العثور على الرفات يوم عيد لهم، مؤكدين أن التراب الذى خرج من حفر قبره كانت رائحته عطرة تشبه رائحة المسك.
اصل اسم السويس
أما السبب في تسمية السويس بهذا الاسم فيعتقد البعض أنه جاء من نداء القائد الشهيد أبو يوسف الذى كان ينادى الناس فى المعركة: "أقدموا سواسية ترهبون أعداء الله"، فكانوا الناس سواسية، ثم حرفت الكلمة إلى سوسية، وبلدهم التى يسكنوها «السويس»، ومن المعروف أن الدولة الفاطمية تأسست فى مصر 358 هجرية/ 969 ميلادية، وكان استشهاد الشيخ أبا يوسف كان فى 320 هجرية، أى قبل دخول جوهر الصقلى مصر بنحو 38 عامًا، وهنا يمكن أن يتم تفسير الأمر لاحتمالين، الأول أن الحشد السياسى والمعنوى والدينى الذى مارسته الدولة الفاطمية فى شمال أفريقيا حول أهمية الدفاع عن ديار المسلمين والجهاد فى سبيل الله، هو ما دفع أبا يوسف أن يهاجر من شمال أفريقيا إلى مصر للدفاع عن أرض الإسلام هناك، وإن كانت البلاد تحت أيد ظالمة ومستبدة فيكون الدور الذى قام به أبى يوسف دورًا فرديًا.
أما الاحتمال الثانى، فمن الممكن أن أبا يوسف هو أحد القادة العسكريين الفاطميين، وقد تم تكليفه وبعض من مساعديه وهم الموجودين معه فى نفس الضريح بمساعدة المصريين ضد أعدائهم، ويكون ذلك مقدمة ليتعرف الناس على أخلاق الفاطميين ويترك فى أنفسهم ذكرى خالدة تحمل نسمات الطيب والعزة والفخر.