رئيس التحرير
عصام كامل

سلسلة فذكر... " العطر"


بعد إجازة ليست بالقصيرة، استقبلني جميع الزملاء بحفاوة اشتقت إليها كثيرا. فقد مرت الشهور كأنها سنون طويلة، ولنشاطي الزائد في العمل كان السكوت عن اختفائي لمدة 3 أشهر، بعيدا عن مسئوليات وضغوط العمل.


وبعد أن استلمت مهماتي من جديد، وفي وقت الراحة سرد لي الزملاء الكثير من المواقف ؛ والتي مرت عليهم في غيابي. منها من استمعت إليه ببرود تام، وأخرى انفجرت منها ضاحكا. خاصة عندما جاء دور "ممدوح" في الحكي، فهو من أظرف الزملاء وأقربهم إلى قلبي ؛ فلا تجده في أي مكان إلا ويخيم الضحك وجو الفكاهة على الأجواء.

فبعد وفاة جدي بأيام قليلة، عندما صلوا صلاة الجماعة في العمل، كأحد طقوس شهر رمضان، جاء "ممدوح" متأخرا على صلاة الجماعة. ومن كثرة استعجاله لم يتذكر خلع نعاله وصلى بها. انفجر الجميع بعدها ضاحكين، خاصة أن روح الدعابة التي يسرد بها "ممدوح" ما حدث ؛ تدخلك دون أن تشعر في نوبة ضحك هستيرية.

وجاء طائفك يا جدي ليحلق كعادته من جديد، فبعد أن انتهينا من الضحك ؛ شرحت لهم أن الصلاة بالخف أو الحذاء هي سنة من سنن الرسول صلي الله عليه وسلم. فقد أوصى بها لمخالفة تقاليد صلاة اليهود، فلا يصلي اليهود بالخف. حتى أن أحد الصحابة كان يستثقل ارتداء الخف وقت الصلاة، وكان يرى خلعه أكثر راحة له، الا أنه قال لولا أنها سنة ما كان فعلها.
تطرقنا بعدها إلى السنة في ارتداء الحذاء، فوجدتني أتحدث بطلاقة عن أحاديث الرسول لبدء ارتداء الحذاء باليمين، وعند خلعه البدء باليسار. حتى أنهم ظنوا أنني استغرقت فترة الإجازة في حفظ الأحاديث الشريفة. ولكن ما لم يعرفه أحد أنني ظللت أجلس إلى جوارك، لأيام طوال ؛ أتعلم منك وأرى كل ردة فعل لك. فقد كان مرجعك دائما القرآن والسنة.

انتهى الحديث وأنا أرى نظرات الدهشة الممزوجة بالإعجاب في نظراتهم، يعتقدون أنني من أتكلم وأحكي. إنما هو أنت يا جدي، مازلت بطلي في حياتك ومماتك. ولا أرى أمامي إلا صورة واحدة، تداعب خيالي كلما تذكرت. محاولاتي وأنا أقلد طريقك وأنت ترتدي الملابس وتضع العطر، عند ذهابك لصلاة الجماعة في المسجد. فمازلت ذلك الطفل الصغير الذي أشتاق إلى لمسة يديك وأنت تربت على كتفي.
الجريدة الرسمية