رئيس التحرير
عصام كامل

مَنْ يَعِش يَرَ


اجتاحت ثورات شعبية عددا من الدول العربية، بعضها قلب النظام، كما فى تونس ومصر وليبيا، وبعضها انتهى بلا غالب ولا مغلوب كما فى اليمن، وبعضها مستمر كما فى سورية.


فى البحرين كانت هناك محاولة انقلاب يحول البلاد من ملكية إلى نظام دينى أساسه ولاية الفقيه، ويتبع إيران. المرشد عيسى قاسم «يسترشد» بالمرشد الإيرانى على خامنئى ويعتبر نفسه معصوما، مما ينفى صفة الديمقراطية عنه، والأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ على سلمان رجل دين درس العلوم الإسلامية فى قم بين 1987 و1993 وعاد إلى البحرين ليعمل خطيب مسجد قبل أن ينتقل إلى السياسة، وفى البحرين حوالى 300 رجل دين شيعى تعلم أكثرهم فى قم، وهم جميعا يتكلمون الفارسية.

زرت البحرين مع بدء الحراك الشيعى، وذهبت فى ليلتين متتاليتين إلى ميدان اللؤلؤة وسمعت بأذنى خطباء يدعون إلى قلب النظام، ولم أسمع خطيبا واحدا يطالب بالديمقراطية.

النظام الذى يسعى إليه المرشد وقادة الوفاق والجماعات الأخرى، مثل «حق»، التى تكاد تكون نقيض اسمها، يستحيل أن يكون ديمقراطيا، فهو دينى، والخروج على المرشد فى قم أو نائبه فى البحرين ممنوع، لأن الواحد من هؤلاء ينفذ إرادة ربنا، ومن يخالفه يخالف الله.

طبعا عندما يجتمع عملاء إيران مع صحفيين أجانب أو مندوبين عن جماعات حقوق الإنسان لا يتحدثون عن المرشد فى قم أو مرشده آية الله الخمينى أو المرشد فى البحرين، وإنما يتحدثون عن الديمقراطية التى لا يمكن أن تقوم أو تستقيم على أساس حكم دينى يقدم الولاء الشيعى الفارسى على الوطن.

«الخواجات» بلعوا الطعم، أو كما يقولون بالإنجليزية: بلعوا الخيط والسنارة والفلّينة، وقد أشرت إلى بعضهم فى مقالات سابقة وأعود إلى الموضوع اليوم، بعد أن أقرّت محكمة التمييز البحرينية الأحكام بالسجن حتى المؤبد على 13 عميلا إيرانيا، أو نشطا بلغة الميديا الغربية، ومن هؤلاء توبى جونز، وهو أستاذ تاريخ ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط فى جامعة روتجرز، فهو اعتبر المحاكمات فى البحرين مهزلة، وأخذ جانب أنصار إيران كأنه منهم فى مقال منشور له.

وقرأت اعتراض منظمة مراقبة حقوق الإنسان على الأحكام، ووجدته ينطوى على وقاحة، والمنظمة تزعم أنها تعرف عن قوانين البحرين أكثر مما يعرف قضاة الاستئناف والتمييز والنقض والجزاء.

أرجو أن يلاحظ القارئ أننى أنتقد المعارضة من دون أن أدافع عن حكومة البحرين، فالمعارضة تريد أن تحول البحرين من بلد اقتصاده مزدهر من دون موارد طبيعية تذكر (أقل دول الخليج دخلا نفطيا) إلى تابع لإيران المقاطعة المحاصرة، ولا فائدة من إنكار هذا، وإذا كان العراق أصبح يتبع طهران، فأى أمل لبلد صغير مثل البحرين فى البقاء مستقلا عن آيات الله فى قم؟

ربما ما كنت عدت إلى موضوع البحرين اليوم لولا أن تثبيت الأحكام على دعاة الفتنة ذكرنى بمقالين فى «نيويورك تايمز»، الأول كتبه نيكولاس كريستوف، وهو معلق موضوعى حسن الاطلاع جدا ولا يُخدَع، والثانى كتبته زينب الخواجة، وصِفتُها أنها نشطة فى مجال حقوق الإنسان، إلا أنها أيضاً معارِضة شيعية سجن زوجها وأخوه ووالدها، فاعتبر قضيتها المعارضة الشيعية الموالية لإيران لا البحرين وشعبها، ومع ذلك أطلب عدم توقيفها أو سجنها.

كريستوف مُنع من دخول البحرين، وأحتج على منعه وأطالب بإلغاء أى قرار لدى وزارة الداخلية ضده. كان الأفضل لو تُرك يدخل ويسمع رأى الحكومة مع المعارضة بدل أن يُترك ليسمع زينب الخواجة وأمثالها وهم يروون نصف قصة أحداث البحرين.

قلت دائما وأقول اليوم إن للمعارضين فى البحرين طلبات محقة، ثم أحذرهم من أن أسلوبهم فى التعامل مع الحكومة سيعنى خسارتهم المطالب، وربما جاء يوم وجدوا أنفسهم فيه أقلية فى بلدهم، وفى حين رأيت متظاهرين يحملون زجاجات حارقة وحجارة يهاجمون بها رجال الأمن، فإننى أدين المعارضين البالغين، الذين يرسلون أبناءهم ليلا لضرب أى سيارة رسمية يرونها بالحجارة، أملا بعدم سجنهم، لأنهم قاصرون. هم بذلك يدربون أولادهم على الشغب وعدم احترام السلطة وإهمال دروسهم، وقبل هذا وذاك يتحملون مسئولية أى خراب يُحدثه هؤلاء الأحداث.

وأنتهى كما بدأت، فالمعارضة البحرينية لا تريد حكما ديمقراطيا، وإنما تريد حكما دينيا قوامه المرشد، تابعا لإيران، وهذا لن يحدث، ومَنْ يَعِش يَرَ.

نقلاً عن الحياة اللندنية.
الجريدة الرسمية