رئيس التحرير
عصام كامل

سر اتفاق إسطنبول.. كواليس موافقة روسيا وأوكرانيا على استثناء الحبوب من معركة تكسير العظام

موسكو وكييف اتفاقا
موسكو وكييف اتفاقا يسمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية

يتعرض العالم منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية إلى شبح الجوع بسبب أزمة الغذاء العالمية التي تهدد الكثير من الدول على رأسها دول من الشرق الأوسط وأفريقيا، لهذا سعت الأمم المتحدة بالتعاون مع تركيا للتوسط بين موسكو وكييف لحل أزمة تصدير الحبوب والتى توقفت منذ اشتعال الحرب في الـ24 من شهر فبراير الماضى ذلك جراء الحصار الذي فرضته روسيا على الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود، وسيطرتها على ميناء ماريوبول.

اتفاق تصدير الحبوب

وقعت موسكو وكييف اتفاقا يسمح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، فى إسطنبول، بضمان الأمم المتحدة وتركيا يسرى هذا الاتفاق لمدة ٤ أشهر، ويمكن تجديد الاتفاق بموافقة الطرفين.


ويشترط إنشاء مركز للتنسيق والمراقبة فى إسطنبول، يعمل به مسئولون من الأمم المتحدة وأتراك وروس وأوكرانيون، وذلك لمنع أي من الطرفين من استغلال الاتفاق فى نقل الأسلحة. ويتضمن الاتفاق بنودا أهمها:


عدم استهداف روسيا الموانئ أثناء مرور الشحنات وعدم توجيه أوكرانيا سفن الشحن عبر المياه الملغمة وقيام تركيا بدعم من الأمم المتحدة بتفتيش السفن لتهدئة مخاوف روسيا من تهريب الأسلحة وتسهيل مرور الصادرات الروسية من الحبوب والأسمدة عبر البحر الأسود.


ويهدف الاتفاق الموقع بين روسيا وأوكرانيا إلى التخفيف من حدة أزمة الغذاء العالمية، وتقليل الضغوطات على الدول التى تعانى من مشكلات اقتصادية بسبب التضخم كما أن استمرار اتفاق الحبوب يصب فى صالح روسيا وأوكرانيا.


يقول الدكتور محمد فراج، الكاتب والمحلل السياسى والخبير فى الشأن الروسى، إن اتفاق تصدير الحبوب الذى وقعته موسكو وكييف من المتوقع أن يستمر، وأن يتم تجديده، لأنه من مصلحة الطرفين.


وأوضح فراج أن روسيا مستفيدة من هذا الاتفاق، لأنها حصلت على تسهيلات لتصدير منتجاتها من الحبوب والأسمدة، كما لن تسمح بتفتيش سفنها الذى يلزم أوكرانيا فقط.


وتابع: "روسيا تعهدت بتصدير ٥٠ مليون طن فى حال إتمام الاتفاق، بينما تعهدت أوكرانيا بتصدير ٢٠ مليون طن حال نجاح الاتفاق والمضى قدما فيه بدون عقبات".


وشدد فراج على أنه فى حال إتمام هذا الاتفاق سيكون له تأثير إيجابى على أزمة الغذاء، خاصة بالنسبة لدول الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث سيؤدى إلى انخفاض أسعار القمح فى الأسواق العالمية.


وأشار محمد فراج أن الأسمدة الروسية ستسهم أيضًا فى حل مشكلة الغذاء، لأن موسكو من أكبر مصدرى السماد فى العالم، حيث تبلغ صادراتها من الأسمدة النيتروجينية ١٥%، و١٧% من الفوسفات والتى تلعب دورًا مهمًّا فى زيادة خصوبة الأرض وإنتاج المحاصيل.
وقال فراج إن الغرب يستغل أزمة الغذاء العالمية لإلصاقها بروسيا، مؤكدا أن ذلك غير صحيح وأوضح أن روسيا دائما ما أبدت استعدادها لتصدير الحبوب، ولكن العقوبات الغربية هى التى تعوق الصادرات الروسية، نظرا لإخراج بنك ألفا الروسى المختص بالصادرات الزراعية من نظام سويفت مما يصعب على الشركات إجراء عمليات التأمين والدفع.


وأضاف فراج أن الغرب لديه ما يكفى من القمح وأوروبا لا تحتاج إلى الصادرات الأوكرانية، فصادرات أمريكا من القمح تصل ٢٦ مليون طن، وكندا ٢٦ مليون طن وفرنسا ٢٠ مليون طن وأستراليا ١٠ ملايين طن.


فى حين أن صادرات روسيا من القمح تصل إلى ٣٨ مليون طن، والصادرات الأوكرانية ١٨ مليون طن، مشيرا إلى أن الغرب بالضغط على روسيا لا يريد أن يساعد الدول الفقيرة التى تعانى من أزمة غذائية، مستفيدا من ارتفاع أسعار القمح جراء التضخم الكبير فى الاقتصاد العالمى.

مكاسب تركيا من اتفاق الحبوب

يقول الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير فى الشأن التركى بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن تركيا لعبت دورا فعالا فى الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، لتثبت للعالم والأمم المتحدة أنها قادرة على تسوية النزاعات، وأن لها دورا إقليميا فعالا ولا يمكن الاستغناء عنها فى حل الأزمة بين موسكو وكييف.


وأضاف عبد الفتاح أن سبب قبول الطرفين للوساطة التركية خاصة فى مثل هذه الأزمة، هو نجاح أنقرة فى موازنة علاقتها مع روسيا وأوكرانيا، الأمر الذى اكسبها ثقة الطرفين، مضيفا أن أنقرة تسيطر على مضيقى البسفور والدردنيل اللذين ستعبر من خلالهما الشحنات المحملة بالحبوب القادمة من البحر الأسود والمتجهة نحو البحر المتوسط، الأمر الذى جعلها شريكا إستراتيجيا فى هذه الاتفاقية.


وأوضح عبد الفتاح أن تركيا استفادت بشكل كبير من توقيع هذا الاتفاق، لأنه سيوفر لها احتياجاتها من القمح، باعتبار أنها من أكبر مستورديه، وذلك بخصم يصل إلى ٢٥%، الأمر الذى سيحقق لها الكثير من الأرباح.


ونوه الخبير بالشأن التركى أن أنقرة أصبحت هى المشرفة على عمليات تصدير الحبوب، لعدم ثقة طرفى الصراع الروسى والأوكرانى فى بعضهما، خشية أن يقوم أحدهما بنقل أسلحة من خلال السفن المحملة بالحبوب.


وشدد عبد الفتاح على أن تركيا نجحت فى إقناع الأمم المتحدة بقدرتها على تسوية النزاع الروسى الأوكرانى بعد أن جمعت الطرفين على طاولة المفاوضات ثم توقيع اتفاق فى غاية الأهمية، عجزت أن تحققه دول أخرى.


وفيما يتعلق بإنشاء مركز لتخزين الحبوب الروسية فى تركيا، قال عبد الفتاح إن هذا الأمر صعب أن يتحقق فى هذا التوقيت، نظرا لأنه يحتاج إلى إنشاء صوامع ضخمة بالقرب من الموانئ، ناهيك عن الألغام المتواجدة بالبحر الأسود والتى تعوق حركة السفن.

انعكاسات الاتفاق على أسعار السلع
يقول الدكتور رضا محمد، مدير معهد المحاصيل الحقلية، إن التوقيع على اتفاق الحبوب بين روسيا وأوكرانيا انعكس بشكل مباشر على أسعار العديد من السلع الإستراتيجية، وأهمها القمح، حيث شهد انخفاضا يتراوح ما بين 70 إلى 100 دولار للطن.


وأكد مدير معهد المحاصيل الحقلية أن الاتفاق انعكس أيضًا على أسعار زيت الدرة، والذى يعتبر من أهم السلع التى تأثرت منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وبالتبعية شهد انخفاضا ملحوظا منذ التوقيع على الاتفاق.


ونوه «رضا» إلى أن الاتفاق الروسى الأوكرانى على استئناف صادرات الحبوب، سيجبر عمالقة المجال مثل الولايات المتحدة الأمريكية الصين كندا فرنسا والهند، إلى تخفيض الأسعار، مما سيكون له مردود جيد على اقتصادات الدول التى تأثرت بالحرب.


وأضاف مدير معهد المحاصيل الحقلية، أن روسيا وأوكرانيا تمثلان ثلث صادرات الحبوب على مستوى العالم، ومما لا شك فيه أن تصدير هذه الكميات وضخها بالأسواق سيكون له انعكاسات جيدة على الاقتصاد المحلى فى مصر والاقتصاد العالمى ككل، وسيسهم فى تخفيض حدة التضخم على الاقتصاد.

 

نقلًا عن العدد الورقي…ـ

الجريدة الرسمية