قول الحق ولو فى وش التخين!!
عندما تقرأ وتراقب، ومن ثم تُفكر وتُقارن بين مختلف ما تقرأه من
معلومات مُغايرة في الموضوع الواحد وتتعدد قراءتك في مواضيع كثيرة أخرى حولك بنفس الأسلوب
المُقارن، يُصبح لديك وجهة نظرك الخاصة في الحياة، ومع المُناقشة مع آخرين لديهم
وجهات نظر أخرى، تترسخ تلك الأفكار الخاصة لديك وتُصبح قناعة مغروسة في أرض
أفكارك، لا يمكن أن تهزها أو تُسقطها رياح المُناقشات العصيبة، لأن المسألة تُصبح
مؤسسة على رؤية، وليس مجرد شهوة دنيوية، في إبداء رأي، يرضي هذا أو ذاك!!
وعندما تمتلك تلك الرؤية، ويمر عليك أي رأي، يجب أن تُمرره على
"فيلتر" ما قرأت وعشت، فإن تماشى مع قناعاتك، ربما تناقشت فيه مع قائله
لتطورا الفكرة معاً، وتصعدا بها إلى منظومة فهم جديدة وإضافية. فإن لم يتماشى ذاك
الرأي مع تجربتك، ناقشت صاحبه، علّ منطقه يغيب عنك. فإن كان بعيداً كل البُعد عنك،
احترمت قائله ورأيه، فاحترام الرأي الآخر، أصل من أصول النقاش. ولكن، إن تعدى
الرأي حدود العقلانية واعتدى على الإنسان، أينما كان وعلى موروثه وعلى أصول
حضارته، فيجب إن كنت ترى ضرورة لذلك، أن تقف ضد هذا الرأي صلباً كالحجر، في نقاش
يحترم إنسانية قائله أو قائليه، حتى وإن كنت وحدك، لأن المسألة ليست احتماءً
بالناس ولكن بالحق، والحق هو الله!!
ولقد كلمني البعض، فيما يتعلق بشهادتي، ومقالاتي المعنونة:
"هاتولي مبارك .. أنا عايز مبارك (1و2)"، وقالوا لي: "كيف لك أن تقول
بهذا الكلام اليوم، بينما مبارك على ما هو عليه؟!" فقلت، بأنني أشهد بما عشت،
وللمختلفين عني أن يحكموا بما شاءوا، ولكنني لن أكتم شهادة حق، سواء أعجبت الناس
أم لا، فقط لأن مبارك حبيس، وهي ليست شهادة تُبرئه في المطلق، ولكنها شهادة من
جانبي، تتعلق بما عشته في العامين السابقين وحتى اليوم، مُقارنة بما كان ما بين
2005 وبدايات 2011!!
إن الخوف، هو صفة من صفات "الإمعات" أو من ليس لديه رأي
وقناعة وثقة في النفس أو من يشعُر أنه اقترف أخطاءً وخطايا، فيحاول أن يتدارى في
وسط الجموع، حتى لا يظهر خطأه. وأنا أثق أن لدي رأياً ورؤية ولست لأرضي أحداً وإن
وقفت وحيداً وفقاً لرأييٍ هذا ولو كانت رؤيتي ضد التيار، ولقد قرأت الكثير من
تاريخ بلادي، ومُستعد للنقاش في أي شىء فيما قرأت أو عشت، وسأعترف بأي خطأ في الرؤية
مع النقاش، لأن هذا أمر بسيط للغاية، مع من يحترم العلم، ولا يعبد الأشخاص، ولا
أعتبر اعترافي بخطأ ما، هزيمة لي، ولكن احتراماً لذاتي، لأن الاستمرار في أي خطأ
عن عمد، هو إهانة للذات ولعقول من أُناقشهم!!
كما أنه لا يوجد ملاك ضمن البشر، مهما كانوا، ولا يوجد من هو كله
شيطان، مهما كان!! فكل واحد منا إنسان، وعليه، يجب وأن نُحاسب على هذا الأساس، وهؤلاء
ممن يُحاسبون غيرهم اليوم، ملأى بالأخطاء، وأنا كذلك، ولا أعرف، لما لا يأخذون كل
موقف يحاكمون ويحاسبون عليه غيرهم، ليدرسونه، ويقولون، وفقاً لما حدث ووفقاً
لمختلف الأطراف الداخلة فيه، ووفقاً لوقت حدوثه، ما كانوا سيفعلون في ذاك الموقف؟!
ولكنهم لا يفعلون، إلا أن يقولوا: "كان المفترض أن يحدث هذا وذاك"
بعيداً عن سياق الحدث ككل!!
وبالطبع فان أي شخص يُختبر في قناعاته، حيث إنه إذا ما اختلف مع
العموم اختلافاً شديداً، يتهمه ضُعفاء النفوس، من مُتبعي القطيع بتُهمٍ سفيهة، وهم
في ذلك يختلفون عمن هم على قناعة "بفريضة الاختلاف". فصاحب القناعة
المختلف معك، إنسان مُحترم، ويستحيل أن يتهمك اتهامات وضيعة، لأنه يُقدر اختلاف
الرؤى وحرية التعبير، بينما الإمعة، لا يدرك معنى كلمة رأي - وإن بدى مُدافعاً عنه - لأنه
بدايةً يعوم مع الموجة الرابحة (ولو إلى حين)، ويبالغ في اتهامك ليثبت لمن معه،
أنه أكثر منهم تمسكاً بآرائهم، بينما في الأغلب الأعم، لا يدرك عما يتحدثون، ولكنه
يرى أن رأيهم هو رأي الأغلبية، فيقف معه ليتكسب من ذاك الموقف.
فان سقطت في الاختبار وتراجعت بناء على الخوف من أن تكون وحيداً فيما
تُعبر عنه وتقول به، أو حينما تجد أن "مصلحتك" تتمثل في ألا تستمر فيما
تقوله عن قناعة، تتحول إلى إمعة، وليس صاحب رأي ورؤية!
إن من لديه قناعات ويرى الحق وفقاً لها، بناءً على علم وبصيرة وثقة في
النفس، من جراء قراءة واستقراء، يتكلم ويعبر عما يراه ولو كان الوحيد الذي يصدح به،
ويحترم وجهة نظر غيره، دونما تعدٍ، لأن الإيمان بالحق، وهو الله، فوق أي شىء، وقبل
أي شىء، وليس اتباع الناس والمصلحة الذاتية، تصنع من يُفكر، فكيف يكون هناك من
يصنع فكراً جديداً أو يُعبر عنه، بينما ما هو إلا مُقلد لما يقوله الجميع؟!!
عزيزي القارئ: قل الحق ولو في وش التخين ولا تخافشي!!
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية .