سلمى بهجت.. قتلوها مرتين
صرخات مدوية مخلوطة بالفزع، قادمة من مدخل عمارة سكنية بمنطقة المنتزه بدائرة قسم أول الزقازيق، في الوهلة الأولى ظن ساكنو العقار أن تلك الصرخات قادمة من محكمة جنايات الزقازيق القابعة على بعد أمتار من تلك العمارة، والتي اعتاد سكان المنطقة سماع النقيضين منها، إما صرخات بكاء وعويل بصدور أحكام مشددة أو زغاريد ذوي الحاصلين على أحكام البراءة، وما هي إلا دقائق أقل ما يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة حتى تبينت الفاجعة، بصعود صديقة سلمى بهجت (فتاة الزقازيق)، لمقر الجريدة الإقليمية التي تعمل بها الأولى، وهي في حالة انهيار كامل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مرددة: «قتلها.. قتلها.. سلمى اتقتلت»، وبعدها صمت تام وغابت الصديقة عن الوعي بعدما رأت نهاية صديقتها أمام عينيها.
ما سبق وما يمكن سرده لاحقًا جاء تفصيلًا في بياني النائب العام، سواء السابق بقرار حبس المتهم بقتل سلمى (إسلام محمد)، أو اللاحق له بإحالته لمحكمة الجنايات بشكل عاجل، وقد أغلق البيان الأخير أي باب للاجتهاد أو التأويل قد يكون من شأنه التأثير على سير التحقيقات، ونحن الأولى بأن نلتزم بذلك.
جانب آخر من تلك الجريمة البشعة التي وقعت بعد أقل من شهرين من واقعة نيرة أشرف، فكلتا الفتاتين لقيت مصرعها طعنا على يد من ظنوا أنفسهم يفقهون معنى الحب، فسلمى بهجت طالبة الإعلام بجامعة الشروق، طعنت بـ17 طعنة (15 من الأمام وطعنتان من الخلف) على يد زميلها؛ لرفضها الارتباط به (وفق الاعترافات الرسمية من المتهم أمام جهات التحقيق)، ونيرة أشرف سبقتها بـ 49 يوما بنفس المصير على يد زميلها أيضًا محمد عادل، ولم تكن النهاية الدموية وحدها القاسم المشترك بين الضحيتين، ولكن قاسم آخر أكثر دموية وبشاعة، والذي تجلى في تكالب مهاويس السوشيال ميديا الباحثين عن التريند والترافيك وإن كان الثمن الاتجار بدماء بريئة لم تبرد ودموع أحبة لم تجف من هول الفقد.
اللاهثون وراء التريند
أولى الخطايا كانت من قبل من يحسبون أنفسهم عاملين في بلاط صاحبة الجلالة وهم في حقيقة الأمر كل ما يربطهم بالمهنة المسمى التعريفي على صفحات السوشيال ميديا معرفين أنفسهم بـ الصحفي أو الصحفية أو ممن يزيدوا كلمة Journalist قبل أسمائهم، هؤلاء لم يعطوا لأنفسهم ولو دقيقة تحري واحدة حتى بدأوا في نشر أخبار الجريمة على أنها مصرع ربة منزل على يد طليقها لخلافات على قائمة المنقولات أمام محكمة جنايات الزقازيق، وبعدها كلٌ ترك العنان لخياله (المريض) في سرد روايات وأحداث لا تمت للواقع بصلة، وحينما حاولوا تدارك الإثم بدأوا في كتابة سيناريوهات حول علاقة سلمى بقاتلها وكم كانت مستغلة ومستنزفة لقاتلها ماديا ومعنويًا، وصبوا جام اتهاماتهم على ذبيحة لم تملك من الحول ما يمكنها من الرد عن نفسها (والله أعلى وأعلم ببراءتها من كل ما قيل للنيل منها).
ورغم ما صدر عن بيان النائب العام باعترافات المتهم بوجود علاقة كانت تربطه بالفعل بالضحية ولكنها تركته لسوء أخلاقه وانحراف أفكاره التي تميل للإلحاد، لم يكن رادع لمن تملكتهم المكابرة في الكذب والتدليس والبحث عن الشهرة لمجرد السير عكس التيار.
ولو نظر من يملك ذرة من الضمير لقراءة نعي جامعة الشروق للطالبة سلمى بهجت، والتي وصفها النعي بأنها طيلة 4 سنوات دراستها كانت مثالا للقوامة والخلق والالتزام التربوي والتعليمي، ومنذ عامها الدراسي الأول تضع إسمها على رأس قوائم أوائل دفعتها حتى السنة النهائية، ولكن هيهات أن يشعر من استبدل ضميره بهشتاج ومؤشر بحث على جوجل.
ليست سلمى بهجت الوحيدة ضحية اللاهثين وراء التريند على حساب العقل والمنطق والضمير، فأصيبت صديقتها المكلومة هي الأخرى باللعنة، لمجرد أن تم استدعائها لسماع أقوالها (بصفتها أخر المتواصلين مع الضحية قبل مقتلها وشاهدة العيان الأولى على الجريمة الدموية).. لم يمهلوا أنفسهم الوقت لاستبيان ما آلت إليه التحقيقات الرسمية، وصبوا إتهاماتهم عليها بأنها من سلمت رقبة صديقتها لقاتلها، ليأتي نصر الله وكلمة حق في سطور بيان النيابة العامة، متضمنًا نصأ: «إسلام محمد المتهم بقتل المجني عليها سلمى بهجت، إحتال على إحدى صديقاتها حتى علم منها موعد لقائها بها بعقار الزقازيق فاختاره ميقاتًا لقتلها».
هل بعد ما تم سرده من وقائع مكذوبة والرد الدامغ عليها، يكف نابشي القبور عن الخوض في حرمات الموتى وترك القضاء والعدالة الناجزة تأخذ المسار المنوط بها.. أم هوس الشهرة يعمي بصيرة قوم يبصرون؟!