فضل الصيام في شهر المحرم ويوم عاشوراء
ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الصيام في شهر الله المُحرَّم أفضل الصيام بعد رمضان؛ إذ قال: (وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)، وقد يصوم المسلمون هذا الشهر، أو يصومون منه يوم عاشوراء؛ شُكرًا لله -تعالى-، وتعظميًا لجلاله، وإضافة لفظ الجلالة الله إلى اسم شهر مُحرَّم دليلٌ على فَضله؛ ولهذا كان صيامه أفضل من صيام باقي الشهور بعد شهر رمضان، وبذلك تجتمع في هذا الشهر إضافتان أضافهما الله -عز وجلّ- إلى نفسه؛ فقد أضاف شهر مُحرَّم إلى نفسه، كما شرع فيه الصيام الذي اختصّ بجزائه لنفسه.
فضل صيام يوم عاشوراء
يُكّفر صيام عاشوراء ذنوب السنة الماضية كما بيّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فقد قال: (وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ)، إذ يُكفّر الله -سبحانه وتعالى- صغائر الذنوب دون كبيرها، وإن لم يكن له صغائر ذنوب ولا كبائر، كُتِبت له بهذا الصيام حَسَنات، ورُفِعت درجاته، فإن كانت لديه كبائر، كان الرجاء بالله -تعالى- أن يُخفّف منها، وممّا ورد من الأحاديث في الترغيب في صيام عاشوراء، وتحرّي صيامه، وتحصيل الأجر فيه، ما ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنه-، إذ قال: (ما رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَومٍ فَضَّلَهُ علَى غيرِهِ إلَّا هذا اليَومَ، يَومَ عَاشُورَاءَ، وهذا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَان".
ويُستحَبّ للمسلم أن يصوم اليوم العاشر من شهر مُحرَّم؛ اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وبموسى -عليه السلام-، كما يُستحَبّ صيام اليوم الذي يسبقه؛ أي اليوم التاسع من مُحرَّم؛ بهدف مُخالَفة مَن يصوم يوم عاشوراء مُنفردًا، وصيام عاشوراء حسب تفصيل الفقهاء على ثلاث مراتب؛ أدناها أن يصوم اليوم العاشر من مُحرَّم منفردًا، وأوسطها أن يقرن صيام اليوم العاشر من مُحرَّم بصيام اليوم التاسع منه؛ لأنّ غير المسلمين يقتصرون في صيامهم على اليوم العاشر فقط، وعليه فإنّ المسلمين يخالفونهم ويصومون التاسع منه، وقد ورد في الحديث النبويّ -عن صيام تاسوعاء- قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ).، وأعلى تلك المراتب صيام أيّامٍ أكثر من شهر مُحرَّم.
مكانة الأشهر الحرم
عظّم الله -سبحانه وتعالى- أربعة أشهر من بين شهور السنّة كلّها، وجعلها حُرُمًا، ومنها شهر الله المُحرَّم، وقد ذكرها الله -تعالى- في قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)، وسُمِّيت هذه الأشهر بالأشهر الحُرُم؛ لأنّها كانت مُحرَّمة ومُعظّمة عند العرب؛ فقد حرّموا القتال فيما بينهم في هذه الأشهر، وشهرُ مُحرَّم هو أحد هذه الأشهر التي اختصّها الله -تعالى- بفضائله؛ وذلك لِما فيها من بركة وأجر، وشُرِع الصيام فيه، وهو يأتي بعد شهرَين مُتتابعَين من الأشهر الحُرُم، هما: شهر ذي الحجّة، وشهر ذي القِعدة، أمّا شهر رجب؛ وهو أحد الأشهر الحرم، فإنّه يكون مُنفردًا وليس مُتّصِلًا بالأشهر الحُرُم الأخرى، ومن عَظمة هذه الأشهر، وحُرمتها أنّ الله -تعالى- اختصّها بنَهي العباد عن الظلم فيها، وتوجيههم إلى الإكثار من ذِكره فيهنّ أيضًا؛ قال -تعالى-: (لَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
وتشتمل هذه الأشهر الحُرُم أيضًا على أيّام عظيمة ومباركة، كالعاشر من شهر مُحرَّم؛ وهو اليوم المعروف بيوم عاشوراء، والذي مَنّ الله -تعالى- فيه على موسى -عليه السلام-؛ عندما نجّاه من فرعون، وجنوده، وصيام هذا اليوم من السُّنَن التي سَنّها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وحَرِص عليها ويُشار إلى أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- اقتدى بموسى -عليه السلام- في صيام هذا اليوم؛ إذ كان موسى يصومه من قَبل؛ شُكرًا لله -تعالى-؛ قال ان عبّاس -رضي الله عنه-: (قَدِمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عن ذلكَ؟ فَقالوا: هذا اليَوْمُ الذي أَظْهَرَ اللَّهُ فيه مُوسَى، وَبَنِي إسْرَائِيلَ علَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا له، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: نَحْنُ أَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فأمَرَ بصَوْمِهِ).