الجريمة المقصودة وغير المتعمدة.. كيف نظم القانون "السببية" كأحد عناصر الركن المادي للجريمة
قال أشرف ناجي المحامي والمستشار القانوني، إن علاقة السببية كأحد عناصر الركن المادي للجريمة يُقصد بها الفعل الذي تسبب في حدوث النتيجة، وعلاقة السببية هي عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة والمقصود بالنتيجة هو الفعل المادي الذي تسبب في إحداث الضرر بالمجني عليه او ازهاق روحه أو احداث اصابته بحيث لا يُسأل عنها الفاعل إلاّ إذا كان هو الذي تسبب في حدوثها.
وأضاف ناجي: ولعلاقة السببية أهمية كبرى في جرائم القتل العمد والضرب المفضي إلى موت أو جريمة إحداث عاهة مستديمة فجريمة القتل من جرائم النتيجة وتتمثل وفق النموذج القانوني لها في إزهاق روح إنسان ويتطلب الركن المادي لهذا النوع من الجرائم وقوع فعل القتل من الجاني وإزهاق روح إنسان وأيضًا توافر علاقة سببية مباشرة بين فعل الاعتداء على الحياة ووفاة المجني عليه.
وتابع: أي أن تقوم بينهما رابطة السبب بالمسبب ولا تثير علاقة السببية صعوبة في مدى توافرها بين فعل الجاني ووفاة المجني عليه إذا كان هذا الفعل قد أدى بمفرده وفور ارتكابه إلى تحقق الوفاة كمن يطعن آخر طعنات متتالية حتى يلفظ أنفاسه أو يسدد إليه رصاصه في القلب فيموت في الحال فيكون واضحًا أن سلوك الجاني هو سبب الوفاة إلا أن إسناد الوفاة إلى سلوك الجاني وحده ليس بهذه البساطة في واقع الحياة حيث تتعدد العوامل التي تساهم في إحداث الوفاة ويكون سلوك الجاني أحد هذه العوامل فيصعب تحديد العامل الذي كان سببًا في حدوث هذه العوامل التي قد تكون سابقة على وقوع فعل الاعتداء كاعتلال صحة المجني عليه وقد تكون معاصرة للفعل كما لو أطلق شخص عيارًا ناريًا على غريمة فأصابه وفي ذات اللحظة أصيب المجني عليه بسكته بالقلب.
تعادل الأسباب
وتابع المستشار القانوني: وقد تكون تلك العوامل لاحقة على فعل الاعتداء كإهمال المجني عليه في علاج نفسه أو خطأ الطبيب المعالج في علاج المجني عليه ولقد تعددت النظريات التي حاولت إيجاد معيار منضبط لعلاقة السببية ومنها نظرية "تعادل الأسباب"ومنطقها انه متي ساهم فعل الجاني ولو مع عوامل أخرى في إحداث النتيجة توافرت رابطة السببية سواء كانت العوامل الأخرى طبيعية أو إنسانية وتحمل الجاني تبعة النتيجة.
نظرية السبب المباشر والسبب الملائم
واستكمل ناجي: ومن النظريات أيضا "نظرية السبب المباشر" ومقتضاها أنه عند تعدد العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة يتعين إقصاء الأسباب البعيدة في علاقتها بالنتيجة بحيث تتوقف المسئولية الجنائية على السبب الذي لعب دورًا مباشرًا فعالًا وفوريا في إحداث النتيجة.. أما الأسباب الأخرى فهي مجرد ظروف ساعدت السبب الأساسي في إحداث النتيجة ولا يبوء بها وكذلك نظرية "السبب الملائم":التي تقوم على التفرقة بين العوامل التي أدت إلى النتيجة الإجرامية فالعامل الذي يعتد به هو الذي ينطوي في ذاته على صلاحية إحداث النتيجة وفق السير العادي للأمور فيعد سلوك الجاني سببًا للنتيجة الإجرامية ولو ساهمت معه في إحداثها عوامـل أخـرى سابقة أو معاصرة أو لاحقـه عليـه مادامت هذه العوامل متوقعة ومألوفة.. أما إذا تدخل في التسلسل السببي عامل شاذ غير متوقع ولا مألوف فإنه يقطع علاقة السببية بين سلوك المتهم ووفاة المجني عليه وتقف مسئولية الجاني عند حد الشروع في القتل إذا توافر لديه القصد الجنائي بينما يتحمل العامل الشاذ تبعة النتيجة الإجرامية وتاخذ محكمة النقض في جريمة القتل العمد والضرب المفضي الي موت بهذة النظرية الاخيرة.
وأشار ناجي إلى أن من أمثلة العوامل المتوقعة المألوفة التي لا تقطع علاقة السببية بين فعل الجاني والوفاة فى أحكام النقض ضعف المجني عليه أو مرضه وتسمم الجروح وإهمال المجني عليه في علاج نفسه إهمالًا يتوقع أن يصدر ممن يوجد في مثل ظروفه وخطأ الطبيب البسيط في العلاج وفي مقابل ذلك يعد من قبيل العوامل الغير مألوفة التي تقطع علاقة السببية تعمد المجني عليه عدم علاج نفسه لتسويء مركز المتهم والخطأ الجسيم للطبيب في العلاج اذ يجري قضاء النقض علي أن المتهم مسئول في صحيح القانون عن جميع النتائج المحتمل حصولها من الإصابة ولو كانت عن طريق غير مباشر كالتراخي في العلاج أو الإهمال فيه مالم يكن متعمدًا لتجسيم مسئولية الجاني وتقول النقض في حكم حديث لها "من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمدًا وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتًا أو نفيًا فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه وإذ كان الحكم المطعون فيه قد اثبت في حق الطاعنين أنهما تعديا على المجني عليه بالضرب بالأيدي وبالسب وإنه قد توفى أثر ذلك ودلل على توافر رابطة السبية بين الفعل المسند للطاعنين ووفاة المجني عليه بما أثبته تقرير الصفة التشريحية وما قرره الطبيب الشرعي بالتحقيقات من أن ما صاحب واقعة الاعتداء على المجني عليه من انفعال شديد أدى إلى توقف عضلة القلب ووفاة المجني عليه ورد الحكم على دفع الطاعنين بانتفاء رابطة السببية فاطرحه في منطق مقبول وتدليل سائغ فإن في ذلك جميع ما يحقق مسئوليتهما في صحيح القانون عن هذه النتيجة التي كان من واجبهما أن يتوقعا حصولها لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمدًا يكون مسئولًا عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر ما لم تتدخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة ومن أن مرض المجني عليه إنما هو من الأمور الثانوية التي لا تقطع هذه الرابطة ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الوجه يضحى غير قويم. (الطعن رقم 6475 لسنة 82 جلسة 2014/01/01 س 65 )