د. محمد مهران: ماذا بعد لجوء مصر لمجلس الأمن الدولي
الكثير منا يراوده هذا التساؤل ما هو موقف مصر، وماذا سيحدث بعد إعلان سامح شكري وزير الخارجية عن تقديم مصر خطابًا رسميًا لمجلس الأمن الدولي لإثبات اعتراض مصر على التصرفات الأحادية لإثيوبيا والاستمرار في الملء الثالث لسد النهضة دون اتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان.
والحقيقة أن هناك إحباطًا لدى بعض المصريين من لجوء مصر لمجلس الأمن لأن هناك مَن يرى أن مجلس الأمن الدولي لن يصدر قرار نافذًا ضد إثيوبيا، ولن يساعد مصر في حماية أمنها المائى، لذا وجب إيضاح بعض النقاط لماذا تقدمت مصر بهذا الخطاب لمجلس الأمن:
فإن مصر عندما تقدمت لمجلس الأمن فكان ذلك لغرض تطيبق قواعد القانون الدولي وهو إجراء قانوني طبيعي وفقا للقانون الدولي، لأن المجلس هو المنوط به حماية الأمن والسلم الدوليين، وقد يصدر قرار يلزم إثيوبيا بوقف تشغيل وملء السد، وهو ما حدى بمصر إلى التقدم بهذا الخطاب للإبلاغ عن التعنت الإثيوبي والتصرف بشكل احادي دون إبرام إتفاق مع الدول أصحاب المصلحة المشتركين معها في ذات المجرى الدولي، وبالمخالفة لكافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية وقواعد القانون الدولي، علاوة على مخالفة إثيوبيا للبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021 بضرورة التعاون والتفاوض واستئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الإفريقي للوصول إلى إتفاق قانوني ملزم لكافة الأطراف بشأن مواعيد ملء وتشغيل السد، وذلك في مدة زمنية معقولة.
مبرر قانوني
غير إن مصر لم تتخذ هذا الطريق فقط فهو يعد من الطرق التي تلجأ إليها مصر حيث تحاول بهذا الطريق إحراج البعض في المجتمع الدولي، وحتى يكون لمصر مبرر قانوني لأي تصرف قد يصدر منها لحماية أمنها المائى إذا اضطرت أن تلجأ لأي سيناريو آخر، ونؤكد أن هذا ليس الطريق الوحيد فهناك أيضا طرق أخرى منها الضغط الدولي الكبير الذي يمارس ضد إثيوبيا من مصر، فضلا عن أن هناك دعم قوي من القوى العظمي في المجتمع الدولي كما رأينا موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والكثير من الدول الأجنبية والعربية دعمت مصر في موقفها ومطالبها المشروعة، واصدرت بيانات أعلنت فيها ذلك.
كما أن هناك تحركات ومنافسة شديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لحل الأزمة ليثبت كل منهما أنه المهيمن والأقوى، وبالتأكيد مصر هي المستفيد الأول من ذلك، بالإضافة إلى أن المبعوث الأمريكي كان في زيارة مصر وإثيوبيا في الأيام الماضية للتباحث للوصول لحل في هذا النزاع للحفاظ على الحقوق المائية للجميع، ولحفط الأمن والسلم الدوليين بالمنطقة.
أريد أن أطمئن حضراتكم أنه لا ضرر حتى الآن والأمور مستقرة، ولكن هناك خطر أكيد ولن يقبل أي مصري وطني شريف أن تمس قطرة مياه من حصة المصريين من نهر النيل، واجلًا أو عاجلًا سترضخ إثيوبيا لمطالب مصر والسودان، وستجلس إثيوبيا على مائدة المفاوضات لإنهاء النزاع باتفاق ملزم للجميع وفقًا لقواعد القانون الدولي، وخاصة أن إثيوبيا فشلت حتى الآن في كل مراحل الملء السابقه، ولم تحقق الكمية المستهدفة من الملء نظرًا لوجود عيوب فنية جسيمة بالسد، وهناك ضغط دولي كبير ضدها ناتج عن جهود الدبلوماسية المصرية.
سيناريوهات أخرى
وبعد كل ذلك نأمل أن تنجح المفاوضات لأنها الطريق الأمثل في مثل هذه النزاعات، وإذا لم يحدث ذلك حينها ستلجأ مصر لسيناريوهات أخرى لا يمكن تدارك أضرارها، وعلى العالم والمجتمع الدولي تحمل هذه المسئولية، وخاصة أن مصر دولة قوية محورية ومؤثرة في المنطقة وتتحكم في حركة ملاحة دولية من خلال قناة السويس وتربط العالم ببعضه، وقد يؤدي الأمر لتوقف حركة الملاحة وتأثر حركة التجارة الدولية والإضرار بالجميع، وقد شاهدنا تأثير الحرب الروسية الأوكرانية، وكل ذلك وهناك أمور أخرى غير معلنة، وأخيرًا وليس آخر مصر لجأت للخيار التفاوضي ليس ضعفًا ولكن من المعلوم أن السيناريوهات الاخري ستضر بالجميع، ونستبشر خير إن شاء الله قريبا ونتكاتف حتى نعبر هذه الأزمة، وأتوقع بإذن الله انفراجة واستئناف المفاوضات في القريب العاجل.