"الباشا" للنخبة الاجتماعية و"البك" للموظفين.. قصة الألقاب في مصر من القرن الـ 19 إلى ثورة 23 يوليو
في مثل هذا اليوم عام 1952 صدر قرار من مجلس الوزراء في ثانى اجتماع له بعد الثورة برئاسة على ماهر بإلغاء الألقاب المدنية “الباشا، البيه، الأفندي، صاحب المعالى، صاحب السمو” في مصر؛ تدعيما للمساواة بين المواطنين وتضمن ذلك أيضا دستور 1956 فيما بعد.
الألقاب في مصر
ودخلت الألقاب مصر مع مطلع القرن التاسع عشر، وكان السلطان العثمانى هو الوحيد من له الحق في منح هذه الألقاب على المخلصين له.
وانتقل بعدها منح الألقاب إلى ملوك الدولة العلوية وأصبحت تمنح منهم والألقاب تبدأ من لقب الأفندي، وتطلق على الحاصل على الثانوية العامة والتعليم الجامعي.
النخب الاجتماعية
أما لقب البك فيحصل عليه كبار أفراد الطبقة المتوسطة والموظفين بالدولة، أما لقب الباشا فيطلق على أفراد النخب الاجتماعية، أما النخبة السياسية وحدها فكانت ألقابهم صاحب المعالى وصاحب الدولة وصاحبة العصمة وصاحب المقام الرفيع.
إلغاء الألقاب
وبعد قيام الثورة عام 1952 بأيام وفى مثل هذا اليوم أصدر مجلس قيادة الثورة قرارا بإلغاء جميع الألقاب الرسمية المدنية والاكتفاء بلقب واحد في كافة المكاتبات الرسمية وهو لقب حضرة المحترم، وكان البكباشى جمال عبد الناصر هو صاحب الاقتراح.
محمد على ولى النعم
من المعروف أن الألقاب لعبت دورا جوهريا في حياة الأسرة العلوية طوال فترة حكمها منذ أن أطلق محمد على والى مصر على نفسه لقب " الخان "الذى كان حكرا على السلطان العثمانى، كما أطلق على نفسه "ولى النعم" تأكيدا على سلطاته، وخاطبه المصريون بلقب " أفندينا ".
وقد صدر أول قانون ينظم لقب الإمارة في عهد الخديو عباس حلمى الثاني عام 1901، حدد فيه الأشخاص التي يجب أن تحمل لقب أمير أو أميرة، وحصر لقب الإمارة في أولاده وأولادهم ومن يخلفهم فيما بعد، ولم يعجب الأمر من حرموا من لقب الإمارة، ثم عدل ليشمل بقاء لقب أمير لكل رئيس من الأسرة الخديوية.
نظام وراثة العرش
وفى عام 1922 بعد إعلان إلغاء الحماية البريطانية عن مصر وإلغاء معاهدة 36 أصدر الملك فؤاد أمرا حدد فيه نظام وراثة العرش في أولاد الملك وأولادهم الذكور وإخوة الملك وأخواته الأشقاء، وحدد القرار لقب أولاد الملك وولى العهد بصاحب السمو الملكى، وفى قانون الألقاب المصرية الصادر عام 1923 قسمت البكوية إلى درجتين، الأولى بلقب حاملها " حضرة صاحب العزة ولا تمنح إلا للموظفين الذين لا تقل رواتبهم عن 1200 جنيه سنويا، والثانية صاحب العزة وتمنح لمن تقل مرتباته عن 800 جنيه.
ولم تظل الألقاب حكرا على قصر عابدين فبعد أحداث ثورة 1919 عرف سعد زغلول بزعيم الأمة، نبى الوطنية، وسميت زوجته صفية زغلول بأم المصريين، وسمى مصطفى النحاس بالزعيم المقدس.
وقد نالت الطبقات والفئات الأخرى من الألقاب جانبا فلقب الأمير عمر طوسون بأبو الفلاح ولقبت الملكة فريدة بحبيبة الشعب، ومن الألقاب المدنية الأخرى الباشا ومعناها رأس أو قائد ومنها جاءت كلمة باش كاتب، والبيك اقل درجة من الباشا، ثم الافندى الذى بطل استعماله في مصر بعد عام 1952.، كما أصبحت الألقاب فى العهد الملكى ساعة تشترى بالمال أو هدية تهدى.
أمير الشعراء
ولم تقتصر سلطة منح الألقاب في تاريخ مصر الحديث على القلعة أو قصر عابدين فلقب أحمد شوقى بأمير الشعراء، وحافظ إبراهيم شاعر النيل، وخليل مطران شاعر القطرين، وأطلق النقاد لقب عميد الأدب العربى على الدكتور طه حسين.
ألقاب أهل الفن
وكان لأهل الفن النصيب الأكبر من الألقاب فلقب محمد عبد الوهاب بمطرب الملوك والأمراء، وموسيقار الأجيال، وسيد درويش بفنان الشعب، وليلى فوزى بـ جميلة الجميلات، ومنيرة المهدية سلطانة الطرب، وام كلثوم كوكب الشرق وعبد الحليم حافظ العندليب الأسمر، وفيروز الطفلة المعجزة، صباح الشحرورة، وسعاد حسنى السندريلا، وفريد شوقى ملك الترسو، وفاتن حمامة سيدة الشاشة ونادية الجندى نجمة الجماهير، وعادل امام الزعيم وفؤاد المهندس الأستاذ والفارس احمد مظهر والدنجوان رشدى أباظة وغيره وغيره.
استمر هذا الوضع حتى منتصف السبعينيات، ثم تغير الوضع تدريجيا مع تبنى الدولة لسياسات اقتصادية واجتماعية جديدة كان من شأنها تغيير الأولويات الحكومية وظهور شرائح جديدة من رجال الأعمال والمشتغلين فى القطاع الخاص، ومعها برزت ممارسات الاستهلاك الترفى ورغبة الظهور والتمايز عن الآخرين، وكان أسوأ الألقاب التى استخدمتها هذه الفئة هى مستر، أو البرنس أو الكابتن.
عودة فوضوية
وعادت الألقاب إلى الاستخدام اليومي بين الناس وفى المكاتب الحكومية والشركات وعلى شبكات الإذاعه والتليفزيون.
بل إنه في كثير من البرامج الحوارية التي تستقبل مكالمات تليفونية، فإن المواطن يخاطب مُقدم البرنامج بلقب بيه، أو يقول للمذيعة ياهانم، ويتقبل الثانى ذلك بشكل طبيعي دون أدنى مراجعة،عادت الألقاب بشكل فوضوي وأحيانا ساخر، وتوسع المصريون فى استخدامها.