رئيس التحرير
عصام كامل

المصالحة الوطنية وسيناريوهات الجماعة الإرهابية


في إنجاز تاريخي، ثار المصريون على رئيس جماعة الإخوان وممثلها في مقعد الرئاسة، من خلال مظاهرات حاشدة تعدت الـ20 مليونا في استفتاء شعبي لا مثيل له ضد استبداد الجماعة وقياداتها بهدف عزل الرئيس، واستجابت المؤسسة العسكرية للإرادة الشعبية وقررت اختيار رئيس جمهورية مؤقت يرأس أكبر هيئة قضائية وهي المحكمة الدستورية العليا، والتي حظيت بكراهية الرئيس المعزول وجماعته، وتعطيل دستور الجماعة بالإضافة لتكوين حكومة وطنية تضم كفاءات لإدارة البلاد في هذه المرحلة الانتقالية تمهيدا لتعديل الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.


لم يمر أيام على هذا الإنجاز في 30 يونيو، إلا وبدأ الإخوان في استعداء حليفهم الأمريكي والخارج عموما على الدولة المصرية، والتلويح بالعنف لإعادة الوضع كما كان، أو تمهيدا للخروج الآمن، ويستخدمون صبيانهم في الهجوم على المواطنين والمؤسسات العسكرية والمدنية وقطع الطرق وقتل المصريين بالأسلحة المختلفة، انطلاقا من ميداني رابعة العدوية والنهضة.

ومع ذلك لانزال نستمع كثيرا إلى نغمة "المصالحة الوطنية" و"عدم الإقصاء"، وأتحفظ كثيرا على هذين المفهومين مع فصائل وتيارات الإسلام السياسي وأولها جماعة الإخوان.

إن المصالحة تعني بداءة أن هناك خلافا بين قوى سياسية تلتزم بالقانون وبالعمل السياسي، ولكنها تتبني رؤي وبرامج سياسية واقتصادية مختلفة، وأن هذا الخلاف تحول إلى خصام سياسي أو شخصي يتم حله باجتماعات وحوار سياسي أم مباشرة أو عبر وسطاء.

ولكن كيف تكون هذه المصالحة مع فصيل يرفض هذا الاستفتاء الشعبي على الفشل الذريع للرئيس، وقرر هذا الفصيل أن يستخدم العنف ويحرض عليه ضد خصومه، ويقف ضد مؤسسات الدولة منذ تولي الرئيس المعزول منصبه العام الماضي، والذي تبني منهج خلق دولة موازية للإخوان من خلال تمكين عناصرها من التواجد في كل مراكز صنع القرار والإطاحة بمن يختلف معهم في توجهاتهم، ومحاولة إضعاف كل مؤسسات الدولة بدءا بالشرطة والإعلام مرورا بالقضاء ثم الجيش.

هذا الفصيل يأوي كل دعاة العنف، ويقوم بتخزين السلاح في مقراته ويخرج أعضاءه حاملين هذا السلاح قاطعين الطرق والكباري، ويعتدون على المواطنين الآمنين الذين يدافعون عن أنفسهم.

يتمسك هذا الفصيل بشرعية فقدت بعد وضوح توجهات ممثله الرئاسي الديكتاتورية منذ شهور، وانتخابات تمت السيطرة عليها والتلاعب بها وتهديدات وجهت إلى اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة والمجلس العسكري بحرق البلد إن تم إعلان انتخاب المرشح المنافس.

ويقوم هذا الفصيل على لسان أكبر رأس فيه وهو مرشده الخاص، بالتحريض على قتل المصريين وإضعاف جيشهم ومؤسستهم العسكرية من خلال أتباعه في سيناء وفي المحافظات المختلفة، ويهددنا أتباعه بالحرب الأهلية بين أبناء الوطن.

وهذا الفصيل بذلك، هو الذي يقصي نفسه سياسيا ويقوم بكل الأعمال التي تؤدي لانهيار غير مسبوق لجماعة الإخوان في مصر والعالم العربي لعقود مقبلة، ولم يستمع طوال فترة توليه السلطة لأي مطالب للمعارضة، حيث تعامل مع الدولة كأنها ملك خاص له.

ثم نتحدث عن المصالحة مع الإخوان وهم لايزالون عند رفضهم لما حدث من ثورة شعبية كانوا هم السبب فيها بسياساتهم وممارساتهم والتي أوصلت مصر إلى حالة من تردي الوضع السياسي والاقتصادي والأمني.

ثم يتحدث البعض وكأننا نحن من أخطأنا في حق هذا الفصيل برغبتنا استكمال مطالب الثورة ورفض سياسات الجماعة التي ظنت الدولة أسرا وشعبا خاصة بها، تضع ذوى الثقة على رأس مؤسساتها وتقصي الكفاءات الأخرى وتطيح بالقانون واستقلال القضاء.

كنت أؤمن قبل ثورة يناير بضرورة إتاحة الفرصة لجماعات الإسلام السياسي في العمل الحزبي،  وكنت ضد منهج نظام مبارك في التلاعب بهم وعقد الصفقات معهم مطالبا بإنشاء حزب سياسي لهم، مؤمنا بأن الزمن سيكون هو الرهان على الأداء السلمي للجماعة وأن هناك إمكانية لابتعاد هذه الجماعة عن خطابها المتطرف ضد الأقليات وحرية الرأي والعقيدة وضد القوى السياسية الأخرى.

لكن الآن أصبحت أتشكك في ذلك كثيرا، خاصة أن بنية الجماعة تقوم على السمع والطاعة وإمكانية استخدام العنف والإرهاب ضد خصم تتهمه الجماعة بالكفر والإلحاد، وأن أي معارض يستهدف ما يسمى بمشروعهم الإسلامي.

في هذا السياق، لا مصالحة قبل إحالة القتلة والمحرضين على ارتكاب العنف إلى القضاء، وإحالة كل من ارتكب جرائم سياسية أو جنائية من مؤسسة الرئاسة ومكتب الإرشاد أثناء توليه مناصب سياسية إلى القضاء، وضرورة رفض إنشاء أي أحزاب دينية على على أساس ديني أو لها مرجعيات دينية، وبذلك من الضروري حل جماعة الإخوان المسلمين، وأن يتحول حزب الحرية والعدالة إلى حزب سياسي مدني لا ديني.
الجريدة الرسمية