قوافل الأزهر والأوقاف تجوب المحافظات.. الأيام والأعمار شاهدة على أعمال الخلق.. والمسلم إذا مات تبكيه من الأرض محل عباداته وطاعاته
انطلقت قافلتان دعويتان مشتركتان بين الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف إلى محافظتي: (الإسكندرية، البحيرة)، اليوم الجمعة وتضم كل قافلة (عشرة علماء): خمسة من علماء الأزهر الشريف، وخمسة من علماء وزارة الأوقاف، ليتحدثوا جميعًا بصوت واحد حول موضوع: "شهادة الزمان والمكان والجوارح على الخلق".
وأكد علماء الأزهر والأوقاف على أن يوم القيامة هو يوم الحق، يقضي الله سبحانه فيه بين خلقه بالحق، ويقيم الشهود ليشهدوا عليهم بالحق، حيث يقول الحق سبحانه: "ذَلِكَ اليَوْمُ الحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَئَابًا"، ويقول سبحانه: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ"، ويقول تعالى: "وَجِيءَ بالنبيين والشهداء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بالحق وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ".
كما أكدوا أن فالزمان يشهد على الخلق يوم القيامة باغتنامه في وجوه الخير وإعمار الأرض، أو تضييعه في الإفساد في الأرض؛ والمتأمل في القرآن الكريم يجد أن الحق سبحانه أشار إلى شهادة الأيام على العباد يوم القيامة، حيث يقول الحق سبحانه في معرِض القسَم: "وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ"، ويقول نبينا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "واليومُ المشهودُ يومُ عرَفَةَ، والشَّاهدُ يومُ الجمعةِ"، ويقول الحسن البصري (رحمه الله): ما من يوم ينشق فجره إلا ويقول: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني؛ فإني لا أعود إلى قيام الساعة.
وأوضافوا أن الأيام والأعمار شاهدة على أعمال الخلق يوم القيامة، وهم مسئولون عنها بين يدي الله (عز وجل)، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "لا تَزُولُ قَدَمَا العَبْدِ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ: عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ، وعن شبابهِ فيما أبلاهُ، وعن مالهِ من أين اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ، وعن علمهِ ما عمِلَ به".
كما أوضحوا أنه وكما يشهد الزمان على الخلق فإن المكان يشهد عليهم كذلك، وقد أخبرنا القرآن الكريم أن الأرض ستحدِّث يوم القيامة بما كان فوق ظهرها من عمَلٍ، حيث يقول الحق سبحانه: "إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا"، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): "فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ على كُلِّ عَبْدٍ أو أمَةٍ بما عَمِلَ على ظَهرها، تقول: عَمِلَ يومَ كذا، كذا وكذا"، ويقول (صلى الله عليه وسلم)، "دِيَارُكُمْ تَكْتُبْ آثَارَكُمْ"، فالآثار تُكتَب إلى أماكن العبادات والنفع العام، والأرض تشهد لمن مشى عليها إلى خير ينفع النفس والمجتمع، كما تشهد بالشر لمن سعى إليه وسلك سُبلَه، ومصداق ذلك قول الحق سبحانه: "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ".
وأشاروا إلى قول ابن كثير (رحمه الله) في تفسير قوله تعالى: "فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ": لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ صالِحَةٌ تَصْعَدُ في أَبْوَابِ السَّمَاءِ، فَتَبْكِي على فَقْدِهِمْ، ولا لَهُمْ في الأَرْضِ بِقَاعٌ عَبَدُوا اللهَ فِيهَا فَقَدَتْهُمْ؛ وهذا يدل على أن المسلم إذا مات تبكيه من الأرض محل عباداته وطاعاته، ويبكيه أهل الأرض ممن كان يحسن إليهم ويشملهم بأخلاقه وإحسانه، وتبكيه السماء التي كان يصعد إليها عملُه الصالح، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في شأن الأذان: "فإنَّهُ لا يسمَعُ مدى صوتِ المؤذِّنِ جنٌّ ولا إنسٌ، ولا شيءٌ، إلَّا شَهدَ لَه يومَ القيامَةِ"، ويقول (صلى الله عليه وسلم) في شأن الحجر الأسود: "لَيَبْعَثَنَّ اللهُ الحَجَرَ يَوْمَ القيامةِ وَلَهُُ عَيْنَانِ يُبصرُ بهما، ولسانٌ يَنْطقُ بهِ، يشهدُ بهِ على من استلمَهُ بحقٍّ".
كما أكدوا أنه مما لا شك فيه أن الجوارح تشهد على الخلق يوم القيامة بما استعملوها في وجوه الخيرات أو سُبل المنكرات، حيث يقول الحق سبحانه: "شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" ويقول سبحانه: "الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"، وعَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه) أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) ضحك يومًا حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: "تَدْرُونَ مما أَضْحَكُ؟" قالوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "مِنْ مُجَادَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ يَا رَبِّ: أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، فَيَقُولُ: لَا أُجِيزُ عَلَيَّ شَاهِدًا إِلا مِنْ نَفْسِي، فَيُقَالُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ، وَبِالْكِرَامِ عَلَيْكَ شَهِيدًا، فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِعَمَلِهِ، ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلامِ، فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ"، ولا شك أن من فضل الله (عز وجل) على عباده الصالحين أن يُشهد لهم جوارحهم بما فعلت من الأعمال الصالحة النافعة للبلاد والعباد فما أجمل أن تكون شهادة الزمان والمكان والجوارح على الإنسان يوم القيامة شهادات تقدير لأعماله الصالحة النافعة له ولوطنه ولمجتمعه، فيكون من أهل السعادة الذين يقال لهم: "ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ".3