حرب بلا رصاص.. صراع أشباه الموصلات يفجر أزمة جديدة بين أمريكا والصين
تعيش القوى العظمى في العالم صراعات محتدمة حول الهيمنة لتحقيق أكبر قدر من النفوذ والقوة للحفاظ على مصالحها والضغط على الخصوم إن لزم الأمر وهذا ما يتجلى في التحكم في صناعة أشباه الموصلات أو المعروفة بـ"الرقائق الإلكترونية".
التحكم في الرقائق الإلكترونية
فيمثل التحكم في أشباه الموصلات "الرقائق الإلكترونية" في القرن الحادي والعشرين التحكم في إمدادات النفط، ويمكن للبلد الذي يسيطر على هذا التصنيع أن يخنق القوة العسكرية والاقتصادية للآخرين.
وتوضح الزيارة المرتقبة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان والتي تمتلك شركة (TSMC) التي تعد واحدة من أهم مصنعي الرقائق الإلكترونية والمسيطرة على نسبة 56% من أسواق الرقائق الالكترونية العالمية بالتزامن مع التهديد الصيني طبيعة العلاقات بين واشنطن وبكين وتايوان واتون الصراع المحتدم بين البلدان الثلاث والتي تقف فيها تايون مع واشنطن في مواجهة بكين.
ومن هذا المنطلق أقر مجلس الشيوخ الأمريكى تشريعًا لتعزيز الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات وسط نقص عالمي في الرقائق الإلكترونية التي تستخدم في منتجات كثيرة من الهواتف الذكية والسيارات وصولًا إلى الأسلحة.
والنص التشريعي الذي سيعود إلى مجلس النواب للمصادقة النهائية يرصد 52 مليار دولار لدعم إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، وأكثر من مئة مليار دولار لخمس سنوات للأبحاث والتطوير.
مصادقة مجلس الشيوخ
ورحب الرئيس الأمريكي جو بايدن بمصادقة مجلس الشيوخ على التشريع الذي قال إنه "سيسرع إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة وسيخفض أسعار كل المنتجات من السيارات إلى غسالات الصحون".
وتابع بايدن في بيان أن التشريع "سيخلق وظائف بأجور جيدة هنا في الولايات المتحدة".
واعتبر أن إقرار التشريع "سيعزز مرونة سلاسل الإمداد الأمريكية بحيث لن نكون معتمدين بشكل كبير على بلدان أجنبية في تكنولوجيا دقيقة نحتاج إليها من أجل المستهلكين الأمريكيين والأمن القومي".
ومع تفشي وباء كورونا تراجع مخزون الرقائق الإلكترونية لدى الصناعيين إلى حد مقلق، وتؤكد إدارة بايدن أن هذه الأزمة لها تأثير مباشر على التضخم المتزايد في الولايات المتحدة.
إدارة بايدن والقوة القاتلة
وكان نظم الرئيس الأمريكي جو بايدن قمة عبر الإنترنت للتعامل مع نقص سلسلة التوريد في صناعة أشباه الموصلات. وفقًا لبيان البيت الأبيض صدر بعد اجتماع، قال بايدن إن "الصين تخطط بنشاط لإعادة وضع سلسلة توريد أشباه الموصلات والسيطرة عليها".
ولهذا السبب، يجب على الولايات المتحدة تسريع وتيرتها والاستثمار بكثافة في أشباه الموصلات والبطاريات من منظور الاستراتيجية الصناعية الشاملة، فإن تدابير إدارة بايدن للتعامل مع نقص الرقائق الأمريكية والتراجع في المكانة العالمية قد ورثت إستراتيجية إدارة ترامب، لكنها مختلفة قليلًا أيضًا.
الصراع بين واشنطن وبكين
ويعتقد المحللون أن نزاع الرقائق بين الصين والولايات المتحدة لن يؤثر في اقتصادات الصين والولايات المتحدة فحسب، بل لن يكون مفيدًا لاستقرار السلسلة الصناعية العالمية أيضًا.
وفقًا لتقديرات وزارة التجارة الأمريكية، في حالة قطع أعمال أشباه الموصلات الأمريكية الصينية تمامًا، فستفقد الولايات المتحدة 125000 وظيفة وستخسر ما بين 80 مليار دولار أمريكي و100 مليار دولار أمريكي من الفوائد الاقتصادية.
من الواضح، بالنسبة لمصنعي أشباه الموصلات الأمريكيين، الذين يشغلون بالفعل حصة سوقية كبيرة في سوق معدات أشباه الموصلات، إذا لم يتمكنوا من بيع معداتهم إلى الشركات المصنعة الصينية، فسيواجهون خسائر فادحة.
وهذه المعركة من المتوقع لها أن تستمر بين الولايات المتحدة والصين ضمن إطار حفاظ واشنطن على مكانتها الرائدة في التكنولوجيا والمواهب البشرية؛ ومع ذلك، تواصل الصين اكتساب الزخم، ولدى سوقها الضخم إمكانات تطوير غير محدودة.
وفقًا للبيانات التي كشف عنها جيوي لونج، نائب الرئيس الجمعية الدولية العالمية لصناعة معدات ومواد أشباه الموصلات (SEMI)، نمو سوق معدات أشباه الموصلات العالمي بنسبة 18.9% في عام 2020، ووصل معدل النمو في البر الرئيسي للصين إلى 39%، مما يجعلها أكبر سوق للمعدات في العالم لأول مرة، وهذا يعكس الجهود الهائلة التي بذلتها الصين في تعزيز تصنيع أشباه الموصلات المحلية في السنوات الأخيرة.
ليس هذا فقط، فالحكومة الصينية تدعم صناعة الرقائق بقوة، وهو أمر مهم للتطور الإيجابي والسريع لهذه الصناعة؛ كما أصدرت وزارة المالية الصينية قرارًا بإعفاء مصنعي الرقائق من الضرائب لاستيراد الآلات والمواد الخام حتى عام 2030؛ كما بدأت شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة في محاولة تصميم رقائقها الخاصة.
وتأتي تلك الخطوات وأهمها خطوة وزارة المالية الصينية في إطار السعي لإنجاح عمالقة التقنية في بكين لتطوير صناعة أشباه الموصلات أو الرقائق الخاصة بهم، وهو ما يؤكد تقدم العملاق الآسيوي أكثر نحو هدفه بالاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا الفائقة.
الصين ما زالت تعتمد على الشركات الأجنبية
ومع ذلك، وبينما تقوم هذه الشركات بتصميم رقائقها الخاصة، لا يزال يتعين عليها الاعتماد على الأدوات الخارجية لإتمام المهمة بنجاح؛ فعندما يتعلق الأمر بالتصنيع وبسلسلة التوريد الأوسع نطاقًا، فإن عمالقة الإنترنت في الصين لا يزالون يعتمدون بشكل كبير على الشركات الأجنبية.