مؤسس الدولة العميقة.. قصة موظف ظل رؤساء أمريكا يخافونه لمدة نصف قرن؟
مؤخرا كشفت تحقيقات الصحفية الأمريكية إيميلي ميلتيس، في سلسلة من حلقات "بودكاست" في "بي بي سي راديو 4"، أخطر أسرار موظف كان له الفضل في تأسيسي الدولة العميقة في الولايات المتحدة.
رغم مرور 50 عاما على وفاة جي إدجار هوفر مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي السابق إلا أن ظله مازال يلوح في أفق الولايات المتحدة.
ويمكن أن تُرجَع إليه المخاوف الحالية من "الدولة العميقة"، وهي عبارة تشير إلى مسؤولين حكوميين غير خاضعين للمساءلة يعملون ضد الشعب ولمصلحتهم الخاصة.
فمن مكتبه في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكالة مكافحة الجريمة التي قادها لما يقرب من 50 عاما، ربما أصبح جي إدجار هوفر أقوى شخصية شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية على الإطلاق.
وقالت ميلتيس عنه: "لقد جمع معلومات كثيرة وأسرارا قذرة عن الأعداء والحلفاء على حد سواء، وكان يمكنه التلاعب بأي شيء والتحكم في أي شخص، وهو الرجل الذي لم يستطع الرؤساء عزله، وعلى الرغم من أن وظيفته كانت فرض القانون، إلا أنه لم يكن ملتزما به دائما".
ولقد حول مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى قوة هائلة لمكافحة الجريمة، لكنه شكل أيضا الثقافة السياسية المرعبة التي اتسمت بجنون العظمة لقوة عظمى بأكملها، بحسب ميلتيس.
رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي
وفي تحقيقاتها التقت إيميلي ميلتيس مساعدا مقربا لمارتن لوثر كينج الابن الذي كشف عن كراهية كينج وخوفه من هوفر، واستمعت لشرائط من البيت الأبيض تكشف كيف فشل نيكسون في إقالة رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي القوي، كما استمعت لرواية عن اقتحام جريء قام به نشطاء مناهضون لهوفر حاولوا الكشف عن حجم تجسسه على المواطنين الأمريكيين العاديين.
وغطت تحقيقاتها عصر هوفر من عصابات الكساد الكبير إلى مكارثية الخمسينيات من القرن الماضي ورئاسة نيكسون وشهادات الأشخاص الذين عملوا معه وضده.
وتقول إميلي ميتليس: "كان هوفر شخصية غامضة، ومحبوبا في حياته بتأييد عام بلغ نسبة 80 في المئة، وفي الوقت الحاضر، يُنظر إليه على أنه الرجل الذي تجسس على أمريكا".
ومضت تقول: "في هذا البودكاست لراديو بي بي سي 4 تتبعت إرثه محاولة إكمال الصورة وصولا إلى ما نحن عليه اليوم، وأتساءل: هل الخوف الذي يعتري العديد من الأمريكيين الآن من ما يعرف بـ "الحكومة الكبيرة" يمكن أن يُعزى إلى تجاوزات هوفر؟".
وأضافت قائلة: "عندما أسمع عبارة الدولة العميقة أفترض مستويات من المؤامرة، لكن أحد المؤرخين قال لي إن أصول الدولة العميقة تعود إلى هوفر الذي ربما جعلنا جميعا أقل ثقة بآليات ومؤسسات الحكومة".
فمن هو جي إدجار هوفر؟
تقول دائرة المعارف البريطانية إن إدجار هوفر، واسمه بالكامل جون إدجار هوفر وُلد في 1 يناير من عام 1895 في العاصمة الأمريكية واشنطن، وبها توفي في 2 مايو من عام 1972.
وقد كان مديرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) منذ عام 1924 وحتى وفاته في عام 1972 حيث نظم عمل تلك الوكالة وجعلها فعالة للغاية، وكان مثيرا للجدل في بعض الأحيان فيما يتعلق بتطبيق القانون.
قصته الخاصة
تحكي ثمانية عقود من حياة هوفر قصته الخاصة. ففي وقت مبكر من سنوات مراهقته، كان عقله ينغلق على القضايا التي كانت تهيمن على عصره.
ففي مجتمع المناظرات المدرسية، جادل ضد حصول المرأة على حق التصويت وضد إلغاء عقوبة الإعدام، ولم يستطع تحمل أن يأتي في المرتبة الثانية في أي شيء.
وعندما بدأ والده يعاني من مرض عقلي، قالت قريبة له: إن هوفر "لم يستطع تحمل هذه الحقيقة، لم يستطع تحمل أي شيء غير كامل".
ولم ينضم هوفر أبدا إلى أي حزب سياسي وزعم أنه "ليس سياسيا". وفي الواقع، اعترف سرا أنه كان داعما قويا للحزب الجمهوري.
وكان يتطلع سرا إلى أن يصبح رئيسا، وفكر في الترشح ضد فرانكلين روزفلت، الذي كان يعتقد أنه يساري مُريب.
وفاته
ظل هوفر في منصبه حتى وفاته عن عمر يناهز 77 عاما في 2 مايو من عام 1972 بعد أن احتفظ بمنصبه لمدة 48 عاما وخدم في عهد 8 رؤساء و18 مدعيا عاما.
ونعاه الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون قائلا: "أحد العمالقة.. رمز وطني للشجاعة والوطنية والصدق والنزاهة"، وأمر بتنكيس الأعلام.
وفي الواقع كان نيكسون قد علق في جلسة خاصة لدى معرفته بوفاة هوفر واصفا إياه بـ "العجوز الحقير".
وقبل ذلك بعدة أشهر، حاول نيكسون إقناع هوفر بالاستقالة، وقال:"لدينا هنا رجل سوف يهدم الهيكل معه، بما فيهم أنا".
ومع ذلك لم يُقله، كما كان لدى معظم الرؤساء الذين سبقوه سببا للخوف من هوفر أو كانوا منزعجين مما أصبح عليه مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولكن لم يقدم أي منهم على خطوة إقالته.
وكتب هاري ترومان أثناء رئاسته: "لا نريد الشرطة السرية، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي يميل في هذا الاتجاه، إنهم يتورطون في فضائح الحياة الجنسية والابتزاز".
ورغم تخلص سكرتيرة هوفر من أغلب الملفات السرية لدى وفاته إلا أن القائم بأعمال المدعي العام حينئذ لورانس سيلبرمان كان قد نجح في الاطلاع على بعضها، وقال: "كان جي إدجار هوفر مثل الصرف الصحي الذي يجمع القاذورات، أعتقد الآن أنه كان أسوأ موظف حكومي في تاريخنا".