شاهدة على الهزيمة والنصر.. حكاية الست ربيعة مع 50 عاما من بيع الجرائد بالسيدة زينب | فيديو وصور
في أحد الشوارع القريبة من ميدان السيدة زينب بالقاهرة، ووسط الضجيج الذي يسيطر على المشهد بينما تسير بين جنبات هذه المنطقة العتيقة، تجدها في زيها الأسود تختفي ملامحها الجنوبية البسيطة خلف نظارة بعدسات سميكة، تستظل بالشمسية وتبحث بين صفحات الجرائد المتراصة أمامها عن أهم أخبار الساعة، فلأكثر من خمسين عامًا تجلس ابنة بني سويف السيدة "ربيعة" أمام المائدة الخشبية المليئة بأعداد الصحف المختلفة، في مهنة لم تمتهن سواها منذ قدومها إلى القاهرة منذ أكثر من خمسين عامًا.
رحيل الرئيس جمال عبد الناصر
لهذه السيدة الستينية هادئة الملامح والصوت والهيئة، حكاية بدأت منذ اليوم الأول لقدومها إلى القاهرة أو كما وصفتها بـ"مصر"، فتاة لم تكمل عامها السادس عشر تزوجت نجل عمها الذي باع كل ما كان يمتلكه في إحدى قرى محافظة بني سويف وقدم للعمل في القاهرة: “زوجي دوَّر على شغل كتير ما لقاش وما كانش ينفع يرجع البلد تاني، فأولاد الحلال نصحوه يبيع جرائد” كان المكان شارع زين العابدين بالسيدة زينب، والزمان إبان رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، حينها كان للصحف الورقية ثقل وأهمية في الحياة اليومية للعديد من طبقات المجتمع المصري، وخاصة الطبقة الوسطى، كانت ربيعة تبيع أكثر من 500 نسخة في اليوم، "كان الجورنال بتلاتة تعريفة، كنا ممكن نكسب 50 قرشًا في اليوم".
وبالرغم من المكسب القليل، فإن قلب هذه السيدة التي لم تأخذ قسطها الكافي من التعليم، فكل ما تعلمه هو “فك الخط” وقراءة حروف الهجاء، تعلق ببيع الجرائد تعلقًا شديدًا: “اتعلمت وأنا صغيرة ”أ - ب” ومنها عرفت أجمع جمل وأقرأ الأخبار في الجرائد"، كانت تصعد إلى كافة الأبنية الموجودة في هذا المربع تحمل على كتفها نسخ الجرائد، "كان الراديو والجورنال هما أهم وسيلة بيتعرَّف بيها الناس على الأخبار، والجورنال الورق كانت له قيمة كبيرة مش زي دلوقتِ الفيس بوك والنت غطوا عليها!".
صفحات الجرائد المصرية
ما زالت “ربيعة” تتذكر الأحداث التي كانت تتابعها من خلال صفحات الجرائد المصرية، مباريات الأهلي وتحقيقه للفوز والصعود في البطولات، آخر أخبار حرب الاستنزاف ومستجدات حرب أكتوبر، وخبر عبور القوات المسلحة المصرية لقناة السويس، قرارات الرئيس السادات وخبر اغتياله، ثم خبر صعود الرئيس الأسبق حسني مبارك للحكم، أحداث تتوالى وتتابع وربيعة تطل عليها من النافذة ذاتها، "ربيت ولادي وكبرتهم من الشغلانة دي، مش عارفة أسيبها، الشغلانة دي أعز عندي من أي حد، أنا دلوقتِ مش ببيع زي الأول، لكني متمسكة بيها وهموت قبل ما هي تسبيني"، ربما كان هذا التعلق بمهنة بيع الصحف وارتباطها ارتبطًا وثيقًا بماضي ربيعة وحاضرها وأيامها الأولى في القاهرة.
اصطحبتنا “ربيعة” في جولة سريعة، تعرفنا من خلالها على نمط حياة هذه السيدة وما اعتادت فعله يوميًّا منذ أكثر من خمسين عامًا حتى هذه اللحظة، يبدأ سعر الصحيفة الورقية الآن من مبلغ ثلاثة جنيهات، وعلى مدار اليوم الذي يبدأ عند ربيعة منذ السادسة صباحًا، وكان قبل ذلك يبدأ بعد انتهاء صلاة الفجر، لم تجمع سوى ستين جنيهًا، فبالكاد يأتي موظف أو شاب أو عجوز يبحثون عن هذه الصحيفة أو تلك، لم يعد الجميع يتهافت على هذه الصحيفة أو تلك مثلما كان في الماضي، وبالرغم من ذلك لم تتأخر أو تتخلف ربيعة يومًا عن موعدها؛ تأتي مع قدوم الصباح وترحل حين تقترب الساعة من الواحدة ظهرًا.