علي جمعة يحذر من الخيانة: تُسقط الكرامة وتلحق بصاحبها الفشل والحسرة
أكد الدكتور علي جمعة، المفتي السابق للجمهورية، أن الخيانة من أبشع الصفات التي يمكن أن يتصف بها إنسان، موضحًا أن الخيانة تسقط الكرامة، وتلحق الفشل والذل بصاحبها، كما تورثه الندامة والحسرة.
تحذير من الخيانة
وقال علي جمعة إن الله أمر بنقض عهد من يخون المسلمين، كما حدث مع خيانة بني قينقعاع للمسلمين، الأمر الذي أدى لنقض عهد الرسول صاى الله عليه وسلم معهم.
وكتب الدكتور علي جمعة تدوينة على الفيس بوك: "ما أبشع الخيانة وما أفظعها من صفة يتصف بها إنسان، فهي من أرذل الصفات، إذ تسقط الكرامة، وتلحق بصاحبها الفشل، وتكسبه الندامة والحسرة، لذلك فقد جاءت آيات الذكر الحكيم تحث على التحلي بالأمانة، وتحذر من الخيانة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، كذلك قال تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)، كما أنها صفة المنافقين، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (البخاري).
النهي عن الخيانة
وقال "وحتى في الحروب نهى الإسلام عن خيانة من يقومون بخيانة المسلمين، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ)، وقوله: (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) أي: أعلمهم أنك نقضتَ عهدهم، والتذييل بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) أي: مطلقا، حتى ولو كان مع الكفار، وهذه الآية نزلت في بني قينقاع الذين أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد مع الرسول ﷺ فقال ﷺ: «أنا أخاف من بني قينقاع، واكتفى بإخراجهم من المدينة» (عيون الأثر).
وتابع علي جمعة قائلًا: "وتأكد ذلك من قوله ﷺ وفعله، فقد قال: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلا يَحُلَّنَّ عَقْدًا وَلا يَشُدّنّهُ حَتّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» (الترمذي). ومن فعله أن قُرَيْشًا لَمّا أَسَرَتْ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ وَأَبَاهُ أَطْلَقُوهُمَا وَعَاهَدُوهُمَا أَنْ لَا يُقَاتِلَاهُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ﷺ وَكَانُوا خَارِجِينَ إلَى بَدْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ﷺ انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللّهَ عَلَيْهِمْ (مسلم).
حاطب بن أبي بلتعة
وأضاف "أما بنو قريظة فقد عاملهم بالقصاص دون غيرهم بسبب خيانتهم العهد ووقوفهم بجانب أحزاب قريش في غزوة الخندق، وإرادتهم كسر شأفة المسلمين وإبادتهم. وقد وقع من بعض أصحاب رسول الله ﷺ أفعال تشبه في ظاهرها فعل الخيانة، ومن ذلك ما فعله الصحابي حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، فقد قَالَ عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا».
واستطرد جمعة قائلًا: "فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ. فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ. فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ. فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟» قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ، يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ».
وتابع "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ». قَالَ عُمَرُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ». قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» (البخاري).
خيانة بن أبي بلتعة
وفيه نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ).
وقال "ورفض الرسول مطلب سيدنا عمر رضي الله عنه بقتل حاطب لتأكده أنه لم يكن ينوي خيانة رسول الله ﷺ وصدَّقه حين قال: «وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ».
وأضاف علي جمعة "فهو لثقته الكبيرة بالله عز وجل ونصره لرسوله ﷺ أيقن باجتهاده أنه لن يضر الله ولا رسوله ﷺ وأن كتابه سيفرحُ به كفار قريش ويحمون له أهله، وهو ما صرح به في رواية حيث قال: «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ عَزِيزًا بَيْنَ ظَهْرِيهِمْ وَكَانَتْ وَالِدَتِي مَعَهُمْ» (مسند أحمد)، ولذلك قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «وَأَطْلَقَ –أي عمر- عَلَيْهِ –أي حاطب- مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلاف مَا أَظْهَرَ، وَعُذْر حَاطِب مَا ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَنْ لا ضَرَر فِيهِ» (فتح الباري).
الخيانة العظمى
وأوضح جمعة قائلًا: "إن تعامل الرسول ﷺ من خلال هذين النموذجين مع مرتكبي جريمة الخيانة العظمى اعتمد على نية كل منهما وقصده، ففي حالة بني قريظة كانت النية معقودة على مناصرة المشركين والكيد للرسول والمسلمين، وفي حالة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة كان واثقا من نصر الله لنبيه ولكنه أرسل لقريش لعلها تكرم أهله في مكة وليخوفها ويصرفها عن رسول الله والمسلمين، لذا فقد صدقه الرسول وسامحه واستغفر له الله.
واختتم علي جمعة حديثه قائلًا: "وبذلك علمنا الرسول ﷺ درسًا جديدًا في التعايش السلمي مع مكونات المجتمع وأطيافه ليعيش الجميع في سلام وأمان"