جولته تبدأ غدًا.. شكوك حول نجاح بايدن في بناء "ترتيب أمني" لمواجهة إيران
يبدأ غدًا الأربعاء الرئيس الأمريكي جو بايدن أولى جولاته في الشرق الأوسط، والتي تستمر 4 ايام، يزور خلالها إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والمملكة العربية السعودية.
وتشهد زيارة بايدن للسعودية عقد قمة أمريكية- خليجية- مصرية- عراقية- أردنية.
وأعد مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية دراسة حول التقديرات بشأن القضايا الرئيسية على أجندة هذه الجولة ومن بين هذه الأفكار بناء "ترتيب أمني" جديد في المنطقة، يضم إسرائيل بجانب دول عربية أخرى، يكون هدفه الرئيسي مواجهة التهديد الإيراني.
تبدو الفكرة مطروحة في ضوء افتقاد الإقليم إلى ترتيب أمني إقليمي حتى الآن مقابل أولوية الترتيبات الدفاعية الثنائية، لكن مع ذلك فإن هذه الفكرة لازالت تواجه تحديات كبيرة، تدفع إلى الشك في نجاحها، ربما تدركها الولايات المتحدة أكثر من غيرها. لكن هذا لا ينفي أن العلاقة مع الولايات المتحدة، على المستويين الثنائي والإٍقليمي، باتت تتطلب تأسيسًا جديدًا.
القضية الفلسطينية
تظل القضية الفلسطينية هى القضية العربية المركزية بالرغم من المتغيرات الإقليمية والدولية التى أدت إلى تراجع أولوية هذه القضية فى اهتمامات مختلف الأطراف، خاصة فى ضوء عاملين رئيسيين: أولهما، تصاعد المشكلات المثارة فى كل من سوريا وليبيا واليمن والسودان ولبنان والعراق. وثانيهما، اتفاقات التطبيع الإسرائيلية التى تم التوصل إليها خلال العامين الأخيرين مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان والتى لم تكن القضية الفلسطينية حاضرة فى أى منها.
أما الجانب المؤسف والخطير فى الوقت نفسه، فإنه يرتبط بموقف إسرائيل تجاه القضية الفلسطينية؛ حيث لازالت تتعامل مع هذه القضية من منطلق الحفاظ على الوضع الراهن والقضاء على أية محاولات للاقتراب من فكرة حل الدولتين، بالتوازى مع تنفيذ سياسة ممنهجة فى مجال الاستيطان والتهويد والتهجير والاعتقال، الأمر الذى قد تعتقد معه الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أنها سياسة ناجحة وقابلة للاستمرار دون مشاكل.
وإذا كان الرئيس الأمريكى جو بايدن سوف يلتقى مع الرئيس محمود عباس "أبو مازن" خلال زيارته للضفة الغربية يوم 14 يوليو الجارى، وسيؤكد على مبدأ حل الدولتين، إلا أن هذا الموقف الأمريكى سوف يظل يدور فى دائرة مفرغة ما لم تمتلك واشنطن إرادة سياسية وآليات حقيقية لوضع مبدأ حل الدولتين موضع التنفيذ.
تصورات غير واقعية
قبل أيام قليلة من بدء جولة بايدن في المنطقة، والتي ستبدأ بزيارته لإسرائيل، قام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بحل نفسه، بعد انهيار الائتلاف الحاكم الذي كان يقوده نفتالي بينت، والذي تشكل في يونيو من العام الماضي.
وبموجب هذا الاتفاق الائتلافي، يتولى رئيس حزب "يش عتيد" بزعامة يائير لابيد، رئاسة الحكومة الانتقالية أو حكومة تصريف الأعمال، لحين إجراء الانتخابات العامة في نوفمبر.
وكما هو معروف، فإن حكومة تصريف الأعمال في أي نظام سياسي عادةً ما تكون حكومة ضعيفة بحكم صيغة تكليفها، التي تمنعها عمليًا من اتخاذ أية قرارات حاسمة، خاصةً في القضايا الحساسة التي تحتاج لدعم من قاعدة واسعة من نواب مُنتخبين في البرلمان. وبالتالي، سيلتقي الرئيس بايدن برئيس حكومة إسرائيلية لا يمتلك القدرة على اتخاذ قرارات مصيرية.
ويبدو من تركيز التصريحات والتعليقات الإسرائيلية على زيارة بايدن للمنطقة، أنها تبتعد عن البناء على الوقائع الحقيقية؛ فمعظم التعليقات الإسرائيلية تحصر هدف الزيارة في إقامة "تحالف أمني" لمواجهة إيران، دون الأخذ في الاعتبار الأولويات الأمريكية، التي تشير إلى أن زيارة بايدن ستُركز أكثر على كيفية إقناع الدول العربية، خاصةً دول الخليج الغنية بالنفط، والدول التي تمتلك قدرات في مجال إنتاج وتسييل للغاز -مثل مصر وإسرائيل- للمساهمة في معالجة أزمة الطاقة التي يعاني منها الأمريكيون والأوروبيون جراء تداعيات الحرب الأوكرانية– الروسية.
أيضًا، من الصعب التسليم برؤية إسرائيل بأن زيارة بايدن للمنطقة مُكرسة بالأساس لمعالجة الخطر الإيراني. كما من الصعب القبول بمنطقية الرؤية الإسرائيلية بشأن إقامة تحالف إقليمي استنادًا إلى القلق الذي تشعر به العديد من الدول العربية جراء السياسة الإيرانية الهادفة لتوسيع نفوذها في المنطقة العربية.
الانطباع السائد حول الشرق الأوسط هو أنه إقليم "غير مستقر"، وهو انطباع غير قابل للتغير فى ظل المؤشرات الحالية للإقليم، وهو ما يُفْقِد المصطلحات التي تُوصِّف حالة الأمن الإقليمي منذ الحرب الباردة وحتى الآن -بمعدل كل عقد تقريبًا- بريقها الاستراتيجي؛ فقد تراوحت التوصيفات المرحلية ما بين "ترتيبات الأمن الإقليمي"، وإقليم "قيد التشكل"، أو "إعادة التشكل".. إلخ، ولا يعتقد بحكم عوامل كثيرة، أنه خاضع لإجراء عملية ترتيب أو تشكيل محكمة تغير هذا الانطباع كما أن الإقليم لم يراكم، بل ربما لم يعرف، خبرة الأمن الجماعي أو شبه الجماعي، بالإضافة إلى هشاشة خبرة التحالفات الأمنية العسكرية متعددة الأطراف فيما بين الدول العربية ومن المنطقي القول إنه من الصعوبة بمكان تصور قيام تحالفات أو أحلاف إقليمية مستقرة ومستدامة.
"الحوار الاستراتيجي"
فى الأخير، قد يكون "الحوار الاستراتيجي" مع الولايات المتحدة مهمًا أكثر من أهمية أي مشروع أمني، أو ترتيبات أمنية مرحلية، خاصة وأن هناك مسارًا إقليميًا لاحتواء إيران.
ومن مصلحة واشنطن تعزيز هذا "الحوار الاستراتيجي" بين القوى الإقليمية.
إيران تبدو مطمئنة، إلى حد ما، من أن الدول الغربية في حاجة إلى اتفاق نووي معها، أولًا لكي تتجنب اندلاع أزمة جديدة في المنطقة بالتوازي مع استمرار أزمة الحرب الروسية-الأوكرانية.
وثانيًا، لكي تخفف من حدة أزمة إمدادات الطاقة، التي ترى إيران أنها أحد العناوين الرئيسية لزيارة بايدن.
الإقليم الآن يشهد اتجاهًا معاكسًا لهذه التحولات، عنوانه الرئيسي وجود فرصة كبيرة لامتلاك القوى العربية الرئيسية زمام السياسات الرئيسية بالإٍقليم.
هذه التحولات تخلق فرصة كبيرة لفرض توازنات جديدة في الإقليم، جوهرها إعادة الاعتبار لأدوار القوى الرئيسية، ممثلة في مصر، ومجلس التعاون الخليجي، والعراق، والأردن، والتأسيس لمرحلة جديدة من العلاقات الإقليمية، وعلاقات الإقليم مع القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
يخلص تقرير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن استقرارًا حقيقيًا في إقليم الشرق الأوسط يتطلب تأسيسًا جديدًا لعلاقات الولايات المتحدة مع دول الإقليم، يأخذ في اعتباره مجموعة من المعطيات المهمة، أبرزها تاريخ فكرة الترتيبات الأمنية بالإقليم، والتباينات الاستراتيجية بين دوله رغم ما بينها من توافقات في قضايا عدة، وطبيعة اللحظة الراهنة في تطور النظام العالمي وما تتضمنه من تعقد المصالح الدولية وتشابكها. كذلك، فإن تأسيسًا جديدًا لعلاقات القوى الإقليمية لا يمكن أن يكون تأسيسًا مستدامًا طالما لم يتم التعاطي مع قضايا مركزية مثل القضية الفلسطينية.