القصة كاملة وراء احتجاجات سريلانكا وهروب الرئيس
تعيش سريلانكا منذ شهور على صفيح ساخن؛ بسبب أزمات يصفها مراقبون بـ”فوضى“ اقتصادية وسياسية معقدة، الأمر الذي أدى لتفجر الوضع، اليوم السبت، بفرار رئيس البلاد جوتابايا راجاباسكا من مقر إقامته إثر اقتحامه من قبل آلاف المتظاهرين.
ودعا رئيس وزراء سريلانكا رانيل ويكرمسينج، لاجتماع عاجل، وهو الذي أكد أن اقتصاد بلاده المثقل بالديون ”انهار“ بعد أشهر من نقص الغذاء والوقود والكهرباء.
وتتمثل الأزمة الاقتصادية في سريلانكا في تأثرها بارتفاع أسعار النفط عالميا، وعدم قدرتها على تأمين القطع الأجنبي لشراء الوقود، رغم أن الجزيرة الآسيوية تعاني من أزمة اقتصادية منذ سبعة عقود.
فيما تتمثل الأزمة السياسية في حكومة الرئيس راجاباسكا التي تواجه احتجاجات مند 9 أبريل الماضي، واتهامات كثيرة بفشلها في إدارة البلاد وإخراجها من النفق المظلم، ولجوئها إلى إعلان الطوارئ بين الفينة والأخرى، وتشديد الأمن، وحجب مواقع التواصل، فضلا عن قتل المتظاهرين بالرصاص الحي.
وتعاني سريلانكا من أزمة اقتصادية منذ أكثر من سبعين عامًا (أي منذ العام 1984؛ تاريخ استقلالها)، ومن ملامح هذه الأزمة أن معدل التضخم يبلغ نحو 40%، مع تأثر البلاد بالقفزات الكبيرة في أسعار النفط والوقود عالميا، وبالتالي نفاذ البترول وإنشاء الطوابير التي تودي بحياة العديدين، حيث أوقفت الحكومة مبيعات الوقود للمواطنين العاديين حتى 10 يوليو، فضلًا عن الانقطاعات المستمرة للكهرباء لفترات تصل إلى 13 ساعة يوميا.
كما أن سريلانكا بدأت تفقد، تدريجيا، واحدا من أهم مصادرها في العملة الصعبة، تمثلت في انخفاض تحويلات العمالة من الخارج؛ ما أثر سلبا على قدرة الدولة، التي يبلغ دينها الخارجي 51 مليار دولار ”دولة مفلسة“، على تأمين الوقود والغذاء والدواء والسلع الأخرى الضرورية، وفقا لتقارير اقتصادية.
ومن العوامل الأخرى التي أوصلت سريلانكا إلى أزمة اقتصادية حرجة، هي ما عانته البلاد على صعيد الزراعة والجفاف العام 2016، وما سببته الحرب الأوكرانية من تأثير على اقتصاد دول العالم أجمع.
يضاف إلى ذلك كله تداعيات جائحة كورونا العالمية على مجمل القطاعات الاقتصادية في سريلانكا التي يبلغ عدد سكانها نحو 22 مليون نسمة.
في مايو الماضي، أعلن رئيس وزراء سريلانكا السابق ماهيندا راجاباكسا (شقيق الرئيس الحالي) استقالته بعد موجة احتجاجات، ليتم تعيين رانيل ويكرمسينج رئيسا للوزراء.
ويعيد مراقبون السبب الجوهري للأزمة السياسية في سريلانكا إلى تعيين راجاباكسا لشقيقه كرئيس للوزراء؛ الأمر الذي يرسخ حكم العائلة في تلك الجزيرة الآسيوية.
ويشغل تحالف يقوده راجاباكسا نحو 100 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 225، بينما تسيطر المعارضة على 58 مقعدا، وباقي الأعضاء مستقلون.
وسياسيا، تؤكد تقارير على خطورة دور الحكومة الشعبوية الحالية في هذه الفوضى السياسية، بالقول إنها راهنت على ”الأغلبية السنهالية“، وهم أكبر مجموعة عرقية هندو-أوروبية في سريلانكا، ويعدون السكان الأصليون بنسبة 75% من الشعب (حوالي 15 مليون)، وفشلها الفعلي في حل أزمات البلاد.
كما أن استخدام قوات الأمن النار وقنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المتظاهرين الذين يطالبون باستقالة راجاباكسا، يزيد من الاحتقان والغضب الشعبي لدى السكان.
وتواجه الحكومة السريلانكية اتهامات بسرقة ملايين الدولارات، تلقتها الجزيرة بشكل مساعدات بعد كارثة ”تسونامي“ ديسمبر 2004، وأودت بحياة 31 ألف شخص على الأقل، حيث يُعتقد أن جزءا كبيرا من التبرعات النقدية الأجنبية لصالح الناجين، استولى عليها سياسيون ومنهم ماهيندا راجاباكسا.
كما أن عدم نية الرئيس جوتابايا راجاباكسا مرات عدة بعدم التنحي، يزيد من حدة تصاعد الاحتجاجات والاعتصام أمام مقر إقامته منذ شهر تقريبا.
جدير بالذكر أن المدارس في سريلانكا كذلك تم إغلاقها، وطُلب من السكان العمل في المنازل، في أزمة كبيرة يعتبرها مراقبون بداية النهاية لحكم راجاباكسا.