د. نبيل السمالوطي لـ"فيتو": حب الوطن جزء لا يتجزأ من الإيمان والدليل حب الرسول لمكة المكرمة
•
الرسول أول من أرسى دعائم المواطنة بدستور المدينة
• النصر والتمكين وتكفير الذنوب وعد الله لمن يقاتلون دون أوطانهم
• إذا كان الوطن لا قيمة له لماذا يطالبنا القرآن بالقتال في سبيله
• فكرة "الشعب هو مصدر السلطات" إسلامية والرسول لم يفرض نفسه على المدينة كرئيس
أكد د. نبيل السمالوطي أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة الأزهر أن محبة الوطن والحفاظ عليه والدفاع عنه من الثوابت والأصول الإسلامية وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا المثل الأعلى في حب الوطن عندما أخرجه أهل مكة وأنه صلى الله عليه وسلم أحب المدينة وطنه الثاني عندما هاجر إليها وأرسى فيها مبادئ المواطنة بين المسلمين واليهود والنصارى وحتى الوثنيين.
وأضاف د.السمالوطي في حوار خاص لـ"فيتو" أن الإسلام حث أتباعه على قتال من يعتدي على أوطانهم ومن يقتل دفاعا عن وطنه ينال الشهادة وهي أعلى الغايات الإيمانية عند المسلم وأن الوطن أصل ثابت من أصول الإسلام ردا على من يقول إن المسلم لا وطن له وأن الإسلام وطنه.
وإلى تفاصيل الحوار:
- بداية انقسم المصريون كما يدعى البعض إلى مسلمين وهم أنصار مرسي وعلمانيين وهم معارضو مرسي ونسى الجميع الوطن.. كيف عالج القرآن الكريم والسنة مسألة هذا الانقسام؟
القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والأصول الإسلامية كلها أكدت تأكيدا لا مراء فيه أن حب الوطن جزء لا يتجزأ من الإيمان ودليل على ذلك حب الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة المكرمة وأنه لم يترك مكة طوال ثلاث عشرة سنة وكان يطمح أن ينطلق الإسلام الحنيف من مكة على الرغم من كل ألوان التعذيب والمهانة وألوان المقاطعة ولا أقول الذل لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يذل، ولكن عانى كل المعاناة هو وأصحابه ولم يفكر في ترك مكة طيلة ثلاث عشرة سنة حتى أنه صلى الله عليه وسلم بدأ يفكر في السنة العاشرة في الطائف لأنها قريبة من مكة وفشل في الطائف والتوفيق طبعا من الله تعالى ورجع إلى مكة وحاول أن يكمل فيها إلى أن قيض له الله سبحانه وتعالى أهل المدينة المنورة وبيعة العقبة الأولى والثانية، وحتى عندما هاجر صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة معروف ماذا قال في حب الوطن حينما نظر إلى مكة وقال "والله إنك أحب بلاد الله إلى وأحب أرض إلى الله ولولا أن أهلك اخرجوني منك ما خرجت" وعلينا أن نتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي وهو لا يعلم أنه وحي أول مرة وذهب إلى خديجة رضي الله عنها وأخذته إلى ورقة ابن نوفل ويقول له ورقة ابن نوفل لأول مرة إنك نبي هذه الأمة وأنهم سوف يخرجوك من قريتك أي مكة المكرمة، وانزعج الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كان يحب وطنه جدا وقال "أو مخرجي هم؟" فقال له ورقة ابن نوفل "ما أتي من نبي بمثل ما أتيت به من ناموس إلا واخرج من بلدته" وانزعاج الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث ورقة ابن نوفل له وإخباره له أن أهل مكة سيخرجونه يعطي دلالة واضحة على تأصل حب الوطن عند النبي صلى الله عليه وسلم وعندما ذهب الرسول إلى المدينة المنورة أحب جدا جدا أهل المدينة وأحب المدينة كبلد وهناك ما يزيد على أربعين حديثا شريفا في حب المدينة وشرفها.
- بين الحين والآخر تخرج علينا بعض أفكار الجماعات الإسلامية بأن الإسلام لا وطن له وتابعيه لا أوطان محددة لهم نود توضيح ذلك؟
قضية أن الإسلام لا وطن له نعم الإسلام لا وطن له لكن الناس لهم وطن والقرآن الكريم في آيات كثيرة مدح آل المدينة {الذين تبوؤ الدار والإيمان يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة }، والقران قيل فيه الكثير في فضل مكة والمدينة فالإسلام ليس له مكان الإسلام دين عالمي ويجب أن ينشر في كل بقاع العالم على أيدي المسلمين بالحسنى، وهو دين صالح لكل زمان ومكان لكن البشر أي المسلمين لهم وطن وواجب عليهم محبته يكفي جدا أن الدفاع عن الوطن شهادة من يقتل في سبيل دينه فهو شهيد ومن يقتل في سبيل وطنه دفاعا عنه وعن أرضه فهو شهيد، فإذا كان الوطن لا قيمة له ما كان القرآن الكريم والسنة المطهرة تطالبنا بالقتال في سبيله، ورعاية الوطن والدفاع عنه من الثوابت المؤكدة في الدين الإسلامي وأقصد الوطن الصغير بمعني القطر أو الدولة كذلك في المقابل على الإنسان المسلم أن ينشر دينه في كل الأقطار وكل أنحاء العالم.
- الآن هناك تنازع فكري بين بعض علماء الدين والاجتماع حول فكرة الوطن فنجد من يقرها ويعلي من قيمتها ونجد من ينكرها.. ما رأيك في ذلك؟
علم الاجتماع السياسي يقول إن المجتمع عبارة عن مجموعة من البشر لهم ثقافة مشتركة عادات وتقاليد وعقيدة ويعيشون على بقعة من الأرض ويتولى ولى أمرهم تنظيم هذه السلطة أما أن تكون سلطة ديمقراطية أو ديكتاتورية، وهذا رأي علماء الاجتماع والسياسة وهو مأخوذ من الدين الإسلامي والسلطة الديكتاتورية تكون مفروضة بالقوة، والديمقراطية تكون نابعة من الشعب وكل علماء الاجتماع في العالم شرقه وغربه يؤكدون على ضرورة أن تكون السلطة في المجتمع والقيادة نابعة من الناس ولذلك يقولون أن الشعب هو مصدر السلطات، وهذه الفكرة فكرة إسلامية تماما والرسول صلي الله عليه وسلم لم يفرض نفسه على المدينة كرئيس ولكن اهل المدينة هم الذين ذهبوا إليه ببيعة العقبة الأولى والثانية وكتبوا معه عقدا اجتماعيا صحيحا على مبايعته صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية على الاعتراف له بالنبوة بعد الإلوهية لله وحده لا إله إلا الله محمد رسول الله ويدعونه أن يأتي رئيسا للمدينة وأن يدينوا له بالطاعة والولاء ويحمونه كما يحمون أبنائهم وأسرهم واستقبله أهل المدينة وهم يرددون "طلع البدر علينا" أي لم يذهب غازيا وعند دخوله المدينة أبرم عقدا اجتماعيا وهو من أرقى الدساتير التي عرفتها البشرية على مدى التاريخ مع اليهود الأقلية ليقول إنه جاء برأي الأغلبية، لكن الأقلية لهم كل الحقوق والحريات وهذه هي قيمة الوطن والمواطنة التي أعلى من شأنها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والخطبة الأولى لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد موت النبي صلي الله على وسلم وهو يقول للناس "وليت وعلينا أن نقف بتمعن عند كلمة وليت بمعني أنه رضي الله تعالى عنه لم يول نفسه وإنما الناس هم الذين أعطوه الولاية في يوم السقيفة بعد المشاورة، وانتخبوا أبو بكر رضي الله عنه وبعد انتخابه من الصفوة من المهاجرين والأنصار لم يتولى الرئاسة وإنما جلس في المسجد حتى يتلقى البيعة من الناس وهذا انتخاب وأول خطبة قالها بعد توليته من النخبة وليت عليكم ولست بخيركم ولنقف على الجزء القادم في الخطبة وهو قمة الديمقراطية وهو قوله "فان رأيتموني على حق فأعينوني وان رأيتموني على باطل فقوموني" وهذه هي الرقابة الشعبية أطيعوني ما أطعت الله فيكم.. هذا هو الدستور فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم واعتقد أن المجتمع هنا يجعل السلطة السياسية في يد الشعب على أن يكون القائد ملتزما بالأصول الدينية والثوابت الإسلامية.
- بعض الإسلاميين يدعون العامة للجهاد في سبيل مصالحهم بحجة أذن الله للناس القتال والجهاد في سبيل المشروع الإسلامي.. فكيف كان توجيه الإسلام المسلمين للقتال؟
أول تصريح للمسلمين بالقتال {أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير} فالناس الذين أوذوا واخرجوا من ديارهم، أي أوطانهم ماذا يكون جزاؤهم عند الله تعالى؟.. النصر والتمكين وغفران الذنوب هكذا يعلي الحق تبارك وتعالى من قيمة الوطن والحق تبارك وتعالى يقول في محكم التنزيل {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم } والبر هنا أكبر من القسط فلا مانع أن نحسن إلى الناس المختلفين معنا في الدين طالما يعيشون معنا في وطن واحد، أما إذا أخرجونا من ديارنا نقاتلهم وهذه قيمة كبيرة للمواطنة في الإسلام.