داود عبد السيد: جائزة الفنون أشعرتني بأن أعمالي ستعيش.. وسينما اليوم لا أعرفها | حوار
أعتبر رحلتى الإخراجية قصيرة رغم أنها لا تتجاوز 10 أفلام
مؤمن بفكرة تعاقب الأجيال وأن لكل وقت رجاله وصُناعه
قرار اعتزالى لم يكن مفاجئًا وتحصيل حاصل لواقع أعيشه منذ أكثر 9 سنوات
قرار العودة لتقديم أعمال جديدة مرهون بعدة ظروف
السينما أصبحت مولات وتجارة.. وسينما الأحياء انتهت تمامًا
زمان كانت تذكرة السينما بخمسة جنيهات
جمهورى الذى طالما استهدفت مخاطبته كان متواجدًا فى التسعينيات حتى أوائل الألفينات
خروجة السينما الآن لـ 3 أو 4 أفراد تقترب من 1000 جنيه بالمواصلات
حان الوقت لتقدم الدولة المصرية دعما ماليا دوريا محددا للسينما
المنصات أنقذت صناعة السينما خلال فترات فيروس كورونا
بداخلى أكثر من فكرة لكن للأسف نفكر وراء سجن الرقابة وأسوار الجمهور
رغم قلة عدد الأفلام التى أخرجها الكبير داود عبد السيد - التى لم تتخط الـ10 أفلام- إلا أنه يعتلى الصدارة بقوائم أهم مخرجى السينما المصرية والعربية أيضًا؛ إذ بدأ رحلته الفنية بفيلم "الصعاليك" عام (1985)، وآخرها بفيلم "قدرات غير عادية" عام (2014)، وبالوسط نجد مجموعة متميزة من الأفلام الخالدة التى تندرج معظمها بقائمة أهم 100 فيلم مصرى، نسبة إلى خصوصية فلسفته الفنية التى تدعوك دون إدراك للتأمل والدخول مساحات سحرية خاصة باسمه والتى جعلته الأجدر باقتناص جائزة النيل للفنون 2022 المقدمة من وزارة الثقافة المصرية عن مجمل أعماله المؤثرة.
عبد السيد تحدث فى حواره لـ"فيتو" عن الجائزة وسر غيابه عن الساحة الفنية، كاشفا عن أن قرار إعلان اعتزاله الفن صدر عنه وهو فى حالة حزن شديد، خاصة أنه عاشق للسينما، وليس من المفروض أن يعلن أنه يحب العمل ومتمسك به.
كما تحدث المخرج الكبير عن العديد من الأمور، فإلى نص الحوار:
*تم الاحتفاء بإنجازاتك السينمائية فى العديد من المهرجانات والمحافل المصرية والعربية.. ماذا عن تكريم وزارة الثقافة بمنحك جائزة النيل للفنون 2022؟
سعادتى الحقيقية هى ردود أفعال جمهورى الكريم على الجائزة وأصداء ذلك التكريم عند المحبين والمتابعين لى، فهو التقدير الأهم والأغلى فى نظرى، وسعادتى تضاعفت حين جاء التكريم من وزارة الثقافة تلك المؤسسة التى احترمها بشكل كبير مما أشعرنى بالتقدير والتميز، “وحسيت إنى أعمالى بتعيش وهتعيش”.
*أقل من 10 أفلام حصيلة أكثر من خمسين عامًا.. بصراحة هل كان ذلك عن كسل أم انتقاء؟
لا أعتبر رحلتى الإخراجية قصيرة رغم أنها لا تتجاوز 10 أفلام.. وبالفعل عندى مشروعات لم تنفذ واستغرقت وقتًا، بالإضافة إلى أننى لست مسئولًا عن تأخر إنتاج بعض الأفلام؛ لأن السوق والصناعة هى المسئولة بالأساس، وبالتالى أعتبر أن رصيد تسعة أو عشرة أفلام تحوى على رؤى وأفكار مهمة، والغياب لم يكن يومًا نتاج تكاسل أو ابتعاد.
اعتزال الفن
*بدأ عام 2022 بخبر اعتزالك الفن.. ما القصة؟
قرارى الاعتزال لم يكن مفاجئًا، فأنا بالفعل بعيد عن الشاشات منذ سنوات طويلة ولا يوجد لى أية مشاركات فنية منذ آخر أعمالى عام 2014، لذلك كان قرار اعتزالى مجرد تحصيل حاصل لواقع أعيشه منذ أكثر 9 سنوات تقريبًا، فأنا لم أتعمد الإعلان عن الاعتزال بل جاء فى سياق أحد اللقاءات التلفزيونية العربية.
وحقيقة قرار إعلان اعتزال الفن حينها خرج منى بحزن شديد، فأنا عاشق للسينما، وليس من المفروض أن أعلن أننى أحب العمل، فهذا أمر معلوم للجميع، لكنى أيضًا مؤمن بفكرة تعاقب الأجيال وأن لكل وقت رجاله وصُناعه، وجمهور اليوم يريد نوعية أخرى من سينما لا أعرفها ولا تعرفنى، إذن لست من رجالها، كما أن هناك جانبا شخصيا، أحكام السن والصحة، وهناك جانب يأس من القدرة على تحقيق ما تريد، وليس أنا فقط، آخرون كثيرون جدا.
*هل التكريم بجائزة النيل سيعيدك لتقديم أعمال جديدة؟
بالتأكيد فكرة التوقيت مهمة، خصوصا أن أي شخص يكون بحاجة أحيانا للتكريم وللتقدير، وأنا لا أدعى قلة الاهتمام بهذا الأمر، بل الجوائز من بعض الجهات مهمة جدًا للفنان.
والحمد لله كثيرا ما أصادف شبابا فى الشارع يظهرون تقديرهم لفنى وأفلامى، وهذا يسعدنى بكل تأكيد لأننى أعلم بأننى مخرج لديه نوع خاص من الجمهور، وأشعر بأننى مقدر من جمهورى دائما، أما عن قرار العودة لتقديم أعمال جديدة فهو قرار مرهون بعدة ظروف.
جمهور السينما
*تحدثت كثيرًا عن تغير جمهور السينما.. ماذا كنت تقصد؟
بلا أي مجال للشك جمهور السينما المصرية حاليًا مختلف لا أعرفه، فالسينما أصبحت سينما مولات وتجارة، نسبة للتذاكر التى تبدأ من 75 لـ100 جنيه وأكثر، زمان كانت تذكرة السينما بخمسة جنيهات، بالإضافة إلى أن سينمات الأحياء انتهت تمامًا.
أنا من سكان مصر الجديدة وبأحيائها كان لدينا سينمات كثيرة، مثلا سينما روكسى، سينما الحمرا، سينما بالاس صيفى وشتوى، سينما ريفيرا، سينما كشمير، وسينما نورماندى صيفى وشتوى، وسينما كريستال معظمها تم إغلاقها الآن، ولا أثر لها، فقط لأن سينما المولات المتاحة.
وخروجة السينما الآن صُحبة مكونة من 3 أو أربع أفراد تقترب من 1000 جنيه بالمواصلات، والجمهور الذى سيدفع هذا المبلغ له اهتمامات وهموم مختلفة عن ما أراه عند الطبقة الوسطى، وعن جمهورى الذى طالما استهدفت مخاطبته.
فالطبقات التى تعودت أن أتواصل معها لم تعد موجودة فى دور العرض السينمائية، لأن الجمهور الحالى لديه اهتمامات متنوعة على رأسها التسلية، وهذا النوع من السينما يتم تقديمه له.
لكن جمهورى الذى تعودت أن أخاطبه كان متواجدًا فى التسعينيات حتى أوائل الألفينات، وقد أكون مخطئًا أو متجنيًا بعض الشيء فى الحكم على جمهور الفن الحالى، وقد أعود للعمل فى حالة معينة، وهى أن أجد ما يناسبنى وأقدمه للجمهور ويقبل عليه بحُب.
*حقيقة.. هل يكره داود عبد السيد السينما النظيفة؟
يهمنى أن أكون موضوعيا فى طرح الرؤى، منذ بداية الحديث عن السينما النظيفة اتجه كبار المنتجين لصناعة أفلام سينمائية تتماشى مع الجمهور الذى يملك المال، سينما نظيفة للأسرة بأكملها، فيلم لا يزعج أحدًا، نوع بشروا به ونجحوا فى صناعته وتسويقه بكل تأكيد، فتُكتب القصة ويُكتب السيناريو ويؤدى النجوم ويسير المخرج لصناعة فيلم عائلى دون التوجه المباشر للرسائل لكى تتجنب صناعة السينما أي صدام فكرى مع الجمهور حتى لا يتم خسارة المال وعزوف الناس عن التسجيل بدور العرض، وهو ما سيجعل المنتج فى سخط عظيم، لا أكرها بل أحب تقديم أفكار جريئة حقيقة من قلب الشارع والمجتمع، ودائمًا ما أرى أن جسم الإنسان يحمل جماليات، لا عُرى ولا ابتذال.
*هل داود عبد السيد ضد السينما التجارية والترفيهية؟
دائمًا ما أتعامل مع السينما بالإحساس والشغف، فمنذ اللحظة الأولى التى عرفت فيها هذا البحر الواسع شعرت بأنها لحظة ميلادى، بالفن أجد نفسى أجد روحى لأن تفاصيل هذا العالم كانت تحمل نوعًا من الاكتشاف الغامض، شيء أحبه ولا أعرف تفاصيله
وأنا لست ضد السينما الترفيهية التجارية فهى موجودة والسينما تتحمل التباين، لكن يجب أن يحدث تطور ثقافى فى المجتمع حتى يصبح هذا النوع التجارى غير مبتذل، فمن الخطأ أن يكون هو الأساسى، لأن الفن كبير ويُحزن قلبى تقديم تفاهات.
*إذن ما شروطك للعودة القريبة؟
ليس لدى شروط، لكن حين تختلف المعادلة من ناحية الإنتاج وكان هناك منتج أكثر جرأة يرى الشرائح الاجتماعية وبالأخص الوسطى وأصبح عدد الجمهور الحقيقى عاشق الفن كافيًا بالنسبة له، ورقابة ستمرر الفيلم دون مزايدة أو تعقيد سيكون أمرًا هائلًا، وهذا هو المطلوب فقط، لكن المنتج يشترط دائمًا كم سيصرف وكم من الأرباح سيجنى الفيلم، والسيناريو الذى أكتبه مشروط بأن توافق الرقابة عليه، إذن دائرة مغلقة بنظام عمل متفق عليه.
وبالفعل منذ فترة ليست طويلة قدمت مشروعا سينمائيا جديدا لأحد صُناع الفن الحاليين وما سمعته جعلنى أتراجع كثيرًا وأقلق أن أقدم أفكارا أو سيناريو جديدا لشركات الإنتاج أو الجهات الرقابية، فما أشاهده ويجعلنى أفهم أن هذه الأجواء غير صالح لصناعة السينما، ربما تصلح فقط لأشياء أخرى.
*كيف يرى داود عبد السيد المنح السينمائية المدعومة من دول أخرى سواء عربية أو عالمية؟ وهل تؤثر على الرؤية الإبداعية للعمل الفنى؟
هى لا تؤثر على الرؤى الإبداعية للفن بشكل صريح، وإنما تؤثر على اختيار الموضوع المطروح بالعمل الفنى، كما تتطلب نوع تقديم معين وطرحه بشكل خاص، أنا حاولت دائمًا أن أقدم أفلامًا جماهيرية، وليست أفلامًا نخبوية أو أفلام مهرجانات فقط، فأنا أعشق الأفلام الجماهيرية التى تحمل عمقًا وبساطة.
وحقيقة لا أُحب النتيجة النهائية بأن يكون فيلمًا عظيمًا قانصا للجوائز، لكنه فيلم لا يُحب الجمهور المصرى والعربى أن يشاهده أو يتوحد مع أبطاله، ويشعر وكأنه جزء من روح صُناعه، فأرى مثل تلك الأفلام فارغة، حتى وإن اقتنصت جوائز عملاقة، وأجد أنه حان الوقت لتتدخل الدولة المصرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالفن وتقديم دعم مالى محدد للسينما بشكل دورى، وهو ما تتفق معه كلمات وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم بوعدها لى أن الوزارة ستتولى ذلك، وأتمنى أن تتولى ذلك حقًّا.
*بجانب المنح المدعومة ما رأيك بأعمال المنصات كـ“نتفليكس” أو غيرها.. هل تجدها سبيلا جديدا للموهوبين؟ وهل ممكن أن تتعاون مع منصة لإنتاج فيلم؟
ليه لأ؟! بكل تأكيد لا أمانع وأفهم جيدًا أن العصر تغير وتطور، وبعض أفلام نتفليكس جيدة جدًا بالمناسبة وأجد أن هذه المنصات تعطى حرية كاملة سواء للكاتب والسيناريست والمخرج، كما تمول الفيلم بشكل مالى جيد جدًا.
وصيحة المنصات أجدها أنقذت صناعة السينما خلال فترات فيروس كورونا حين كان فى أشده وأشد حالة من الركود، وبالفعل دعمت المنصات الكثير من الإنتاجات المهمة المصرية والعالمية لكنى لا أريد أن أسجن القضية فى داود عبد السيد، فالمنصات بالفعل سبيل جيد للفنانين الكبار والصغار وللكُتاب الكبار والصغار لكن لدور العرض السينمائية وهج خاص لماذا يريد الجميع أن نفقده.
*من بين تاريخك الفنى الطويل.. ما أقرب أعمالك لقلبك؟
جميعها قريبة فيلم «سيد مرزوق» و«الكيت كات»، و«مواطن ومخبر وحرامى» و«رسائل البحر» و«سارق الفرح» وجميعهم بصدق.
*فى الختام.. ماذا عن الأفكار الجديدة فى عقل داود عبد السيد؟
بداخلى أكثر من فكرة لكن للأسف نحن نفكر وراء سجون وأسوار، سواء سور المعاناة مع المنتجين، أو سجن الرقابة وأسوار الجمهور أو سور الجهل الذى أصبح أشبه بالعناكب فى تشعبه، لكن لدى بالفعل أكثر من فكرة وبدأت العمل عليها، ولا أعلم إن كنت سأنجح فى كتابتها أم لا.. لأنى إلى الآن لم أتخذ خطوات مادية رسمية، وإنما جميع الخطوات تسير داخلي فقط، وأتمنى أن أقدم عملا جديدا أعرض بها ذاتى والذاتية هنا معناها رؤيتى الخاصة للعالم وما يدور به اليوم.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو".