تشاد التي لا يعرفها الكثير (1)
أتيت إلى جمهورية تشاد في منتصف شهر نوفمبر من عام ٢٠٢١م، ضمن بعثة أزهرية تضم وفدا من علماء الأزهر الشريف المتميزين؛ كل في مجاله؛ من دعاة لنشر تعاليم الإسلام الوسطي من خلال المنهج الأزهري، ومعلمين مسؤولون عن أجيال من الطلاب التشاديين بداية من المرحلة الابتدائية؛ مرورا بالمرحلتين الإعدادية والثانوية، ثم أساتذة في عدد من كليات جامعة الملك فيصل، سواء في تعليم الطلاب في المرحلة الجامعية أو ما فوق الجامعية (الدراسات العليا).
بداية؛ نتناول معا جزءا من تاريخ الأزهر الشريف في القارة السمراء بشكل عام، وجهود تلك المؤسسة العريقة التي تجاوزت الألف عام في النهوض بتعاليم الإسلام في العالم أجمع بشكل عام، وفي أفريقيا بشكل خاص.
يضع الأزهر الشريف نصب عينه نشر رسالته الأسمى في نشر تعاليم الإسلام في جميع دول العالم، لاسيما قارة أفريقيا، تلك القارة السمراء المليئة بالخيرات الربانية، والتي يتميز شعبها بالرضا والتواضع وحبهم الشديد للمصريين بشكل عام، ولعلماء الأزهر الشريف بشكل خاص..
تتوالى بعثات الأزهر الشريف بشكل دوري حول قارات العالم، إلا أن قارة أفريقيا لها النصيب الأكبر من حيث عدد المبعوثين، إيمانا من هذه المؤسسة العريقة أن تطور الشعوب الأفريقية يأتي في مهمته الأولى، وجمع بين عاملين هامين جدا هما: التعليم بمختلف مراحله، ونشر الثقافة الإسلامية، فلا يقتصر دور البعثة على التدريس فقط، بل يمتد دوره لنشر ثقافة الإسلام من خلال رسله وسفرائه ومبعوثيه من الأزهر الشريف بين المجتمعات الأفريقية.
مبروك العيد
حيث يولي فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اهتماما كبيرا بدعم القارة الأفريقية، سواء من خلال إرسال المبعوثين إلى مختلف ربوع القارة، أو استقبال الطلاب الوافدين من بلادهم إلى قلب مصر والأزهر الشريف لتنمية أواصر العلاقات بينه وبين تلك الدول من خلال سفرائهم في مصر أو سفراء مصر في دول أفريقيا نفسها.
حديثنا هنا بشكل خاص ينتقل إلى جمهورية تشاد لما لي من خبرة حياتية ومجتمعية لمستها بنفسي، فينخرط أعضاء البعثة مع المجتمع التشادي، يشاطرونهم في أحزانهم قبل أفراحهم، وتبادل هذا الشعور وهذا التعامل من إخوانهم التشاديين أيضا، فهم يعتبرون المصريين جزءا منهم، ويشيدون بهم في السر والعلن، وينقل هذا الشعور لدينا بما نراه من حسن معاملة من قبلهم.
فقد حضرنا أول عيد فطر هنا في تشاد، وفوجئنا بعادات طيبة جدا؛ فمظاهر الفرحة والاحتفال يوم العيد تجعلك تشعر أنك في بلدك مصر (ومن يعظم شعائر الله)، بداية من ملابس جديدة يرتديها الأطفال، ولعبهم الذي يرافقه صوت ضحكاتهم البشوشة التي تغطي على صعوبة ظروف البلد، فمثلها مثل معظم دول أفريقيا من حيث الفقر وانخفاض مستوى المعيشة.
من عاداتهم هنا أن الجميع يسلمون على بعضهم البعض من خلال مقولة (مبروك العيد)، فالأغرب والأعجب؛ بل والأجمل، أننا نجد مجموعة من الأطفال لا يتجوز سنهم ال 12 عاما، يأتون لبيت المصريين لأول مرة فقط ليعيدوا علينا، وكأننا ضيوف في بيوتهم، مما جعل الجميع يستشعر بحلاوة العيد واستنكار الشعور أننا (مغتربين)، فشعور أنك جزءا من البلد من خلال الترحاب وتبادل الزيارات ومشاركة المجتمع التشادي في الأفراح والأحزان، الأعياد والمناسبات؛ بل والمشاركة في المناسبات الاجتماعية ودعوتنا في الأفراح حتى ولو لم يكن هناك معرفة مباشرة بيننا وبين صاحب المناسبة، كل ذلك وغيره من المواقف التي تنمي إحساس أن مصر وتشاد ما هما إلا شعب واحد على أرضين.
استقبال المبعوث الأزهري
وصلنا إلى الأراضي التشادية، وفوجئنا باستقبال حافل من رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، السيد محمد خاطر عيسى، والذي أشاد ببعثة الأزهر، وأعرب عن سعادته الشديدة بوصول بعثة جديدة تشد من عضد زملائهم السابقين، ومؤازرة لهم ومعاونتهم في تحمل المسئولية، وكان هذا واضحا في وسائل الإعلام التشادية فور وصولنا هناك، فتوالت الأخبار في القنوات والصحف لاهتمامهم بهذا الحدث، كما أن الاهتمام بالتفاصيل هي التي توضح مدى حب وتقدير تشاد للأزهر الشريف، فبدأت مراسم الاستقبال من باب الطائرة..
حيث وجدنا أوتوبيس مخصوص لأعضاء البعثة الأزهرية، وصل بنا إلى قاعة كبار الزوار والتي وجد على بابها رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية؛ حيث الترحاب والود وتقديم الشكر لقدومنا إلى تشاد، رغم أن هذا واجب علينا وجزء من رسالة الأزهر الشريف في الارتقاء بشعب أفريقيا من خلال (نشر الثقافة الإسلامية، والتدريس بكل المراحل التعليمية من الابتدائي إلى التعليم الجامعي وما فوق الجامعي).
شعب تشاد والمصريين
السمة الظاهرة بشكل واضح وضوح الشمس في الشعب التشادي هو الطيبة، فهو شعب قنوع، ويحب مصر ويقدر المصريين، ويظهر بحق احتراما كبيرا للعمامة الأزهرية، ويبجلونها بشكل كبير، حتى في الأسواق ينادون علينا بـ (يا مصري) أو (يا ابن النيل) أو (يا بلد الأزهر) أو (يا محمد صلاح)؛ نسبة للاعب منتخب مصر ونادي ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، فهذه الصورة لم تكن وليدة فترة قصيرة من التعاون بين البلدين أو إرسال المبعوثين إليهم؛ بل يرجع ذلك في تقديري الشخصي لما لمصر والأزهر من تاريخ طويل وتواجد مستمر على مر الزمن، فهم يعرفون المصري والأزهري ويفرقونه بمجرد النظر عن أي جنسية أخري حتى بدون الزي الأزهري.
اكتب تلك الكلمات لاستشعاري بالمسئولية الملقاة على عاتقي؛ في محاولة مني لإظهار الصورة غير الواضحة وتعريف القراء المهتمين بالشأن الإسلامي والأفريقي بما توجد عليه هذه الدول -خاصة تشاد- حيث إنه جزءا من رسالتي الإنسانية، فليس بالعدد الكبير - للأسف- الذي يعرف تشاد، وإن سمعوا عنها فلا يعرفوا عنها الكثير، وسأتناول سلسلة من المقالات التي أوضح وأنقل فيها بكل شفافية ووضوح صورة جمهورية مصر العربية والأزهر الشريف في تشاد، كما نتناول صورة جمهورية تشاد وما بها من عادات وتقاليد وطباع لأهلها، فضلا عن دور سفارة جمهورية مصر العربية والأزهر الشريف في تحسين العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.