رئيس التحرير
عصام كامل

مدرسة الشاذلي (1) أسس وقواعد

من يهاجمون التصوف لا يدركون أن ثمة مدارس في الزهد والأخلاق والحب، أسسها رموز ومشايخ التصوف. هناك مدرسة أسسها الشيخ أحمد الرفاعي، ومدرسة أقامها الشيخ أحمد البدوي، ومدرسة للجنيد، ومدرسة للدسوقي. أما كبرى هذه المدارس فهي المدرسة الشاذلية التي وضع لبنتها الأولى الشيخ أبو الحسن الشاذلي، رضي الله عنه وأرضاه، واستكمل المسيرة من بعده تلميذه الأول، ومريده الأقرب الشيخ أبو العباس المرسي، ثم أرسى الدعائم ووثق التعاليم الشيخ ابن عطاء الله السكندري، وواصل أبو العزائم ماضي، ثم سائر الخلفاء الصالحين.

رفض أبو الحسن الشاذلي أن يضمن تعاليمه ودروسه في كتب مخطوطة، قائلًا: كتبي أبنائي.. وللحق فإن تأليف الكتب له مؤيدوه، ولكن أبدًا لا ترتقي الكتب إلى مرتبة التلقي شفاهة، ولعل في فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي أصدق دليل، فدروسه وشروحه المتلفزة والمصورة لا تقارن إطلاقًا مع كتبه.

التعلم والتلقي

وشيوخ الصوفية يفضلون أن يتعاملوا مع مريديهم ومحبيهم بالروحانيات، والمعنويات على ما عداها من أساليب للتعلم والتلقي. ومشاهير التصوف، على مدار التاريخ، كانوا يحبون العزلة، والتخفي، ويتجنبون الشهرة، ويستعيذون بالله من حب الظهور، الذي يورث الكبر والتعالي. ولعلنا قرأنا وسمعنا الكثير من قصص كبار المتصوفة الذين قابلوا معرفة الناس لأسرارهم، وحقيقتهم بالتضرع إلى الله أن يقبضهم إليه.

ونعود إلى المدرسة الشاذلية.. وعلى حدود علمنا المتواضع، أن مشايخ الشاذلية، كشيخهم الأكبر، لا يحبون التظاهر بالفقر، والضعف، والتواكل، ولكنهم يمارسون حياة المسلم بشكلها الصحيح، متخذين من رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وآل بيته، قدوة وأسوة حسنة. فهم يمارسون أعمالهم، وتجارتهم، وكسب أرزاقهم حتى اليوم، بما يرضي الله، بجد واجتهاد.

ويلبسون النظيف من الثياب، ولا يمدون أيديهم بالسؤال لأحد، ولا يردون السائلين، ويتحلون بالكرم، مع الزهد، والتواضع، ولين الجانب، واجتناب المعاصي، والمنكرات، ويحرصون على أداء العبادات، والاجتهاد في اكتساب العلم والمعرفة، والتفقه في الدين، بدون تنطع ولا تشدد، ولا تطرف.

الحب والتسامح

يعملون على نشر الحب والتسامح، والمودة، والتقارب بين الإخوة في الطريق إلى الله. ومن أشهر أقوال وحكم شيخنا أبي الحسن الشاذلي: "عليك بالاستغفار وإن لم يكن هناك ذنب، واعتبر باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه، وما تأخر هذا في معصوم لم يقترف ذنبًا قط وتقدس عن ذلك فما ظنك بمن لا يخلو عن العيب، والذنب في وقت من الأوقات".

"إذا عارض كشفك الكتاب، والسنة فتمسك بالكتاب، والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب، والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام، ولا المشاهدة مع أنهم أجمعوا على أنه لا ينبغي العمل بالكشف، ولا الإلهام، ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة".

الزهد في الدنيا

يقول أبي الحسن الشاذلي: “لا تشمُّ رائحةَ الولاية، وأنت غير زاهد في الدنيا وأهلها”. و"لا كبيرة عندنا أكبر من اثنتين حب الدنيا بالإيثار، والمقام على الجهل بالرضا لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة، والمقام على الجهل أصل كل معصية". و"خصلة واحدة إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره، وهي الإعراض عن الدنيا، واحتمال الأذى من أهلها".

ولم تتوقف المدرسة التي أسسها الشيخ أبو الحسن الشاذلي، يومًا، عن تخريج الأساتذة والنجوم، والنابهين والصالحين والصادقين من شيوخ الإسلام والتصوف الصحيح، ولكنها تلفظ كل غريب، وكل مدعٍ، وكل زائف ومزور، فلربما ادعى سلوك الطريق من لهم هوى وغرض في نفسه، فينفض التصوف عنه كل مسيء كما ينفض الماء القذارات عن الثوب الناصع. ولا تزال المدرسة الشاذلية المحمدية تفتح أبوابها حتى يومنا هذا لكل محب، صادق، متواضع، يلتزم الورع، والزهد، ويتبع تعاليم مشايخه بالإخلاص، والتسليم، والحب، والصدق.

الجريدة الرسمية