علي جمعة: ثقافة الضجيج علامة على العذاب وراءها حزب الكافرين
قال الدكتور علي جمعة، المفتى السابق للجمهورية، إن الله أمرنا بالهدوء في الصوت والسمع والنظر، لنتخذ قراراتنا بحكمة، ونهانا عن ثقافة الضجيج حتي لا يختلط الحق بالباطل.
ثقافة الضجيج
وأكد أن ثقافة الضجيج وراءها حزب الكافرين، ويحاول بها الأغبياء أن يصدوا عن كلام الله، وجعل الله في جانب المفسدين ضجيجًا وجلبةً وصيحةً، وعلامة على العذاب، قائلًا: "الضجيج ظاهرا وباطنا ممنوع في ديننا".
وكتب علي جمعة تدوينة على الفيس بوك "أمرنا الله سبحانه وتعالى بالهدوء في الصوت، وفي السمع، وفي النظر؛ لكي نتخذ قراراتنا بحكمة {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}. ونهانا عن ثقافة الضجيج حيث يتحول الإنسان فيها إلي شخص لا يفكر ولا يتدبر، ويختلط عليه الحق بالباطل، ويقف حائرا تافها تائها لا غرض له ولا هدف له في هذه الحياة الدنيا التي جعل الله لها هدفا ساميا"
وقال "وهو أن نعبده سبحانه وتعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وأن نعمر هذه الأرض فأرسل لنا الرسل وأنزل الكتب، وأكد الوحي وأمر ونهى وحدَّ لنا حدودًا، وأن نزكي أنفسنا وأن نقيِّم أخلاقنا قال ﷺ:( إنَّما بُعِثْتُّ لأتَمِّمَ صَالِحَ الأخْلاقِ)، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}."
ثقافة الضجيج والعذاب
وأضاف علي جمعة قائلًا: "والناظر في ثقافة الهدوء وفي ثقافة الضجيج يجد أن ثقافة الضجيج وراءها حزب الكافرين، ابتداءً من إبليس وانتهاءً بالمعاندين الذين لا يريدون وجه الله، ولا يريدون صلاحًا في الأرض."
وقال "وثقافة الضجيج هي السلاح الذي يحاول به هؤلاء الأغبياء أن يصدوا عن كلام الله ورسوله ﷺ. وثقافة الضجيج نراها عندما توعد الله إبليس بأوامر، والأمر في اللغة للوجوب لكنه قد يأتي للتهديد؛ فقال له: { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} أمره أوامر أربعة (استفزز- أجلب عليهم- شاركهم- عِدهم) ليس على سبيل الوجوب فإن الله لا يأمر بمنكر؛ إنما على سبيل التهديد كلغة العرب تقول: اجتهد جدك وسوف ترى..؛ يهدده."
وتابع علي جمعة قائلًا: "إبليس- لعنه الله- يجعل علو الصوت ويجعل الضجيج والجلبة والصياح وسيلة من وسائل إضلال خلق الله سبحانه وتعالى، والله عليم بما سيفعل فنبهه وحذره وتوعده وهدده بمثل هذا الأسلوب الرائق الفائق الذي ليس هو من كلام البشر، فماذا كان من شأن الكافرين {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} يُصَفِّرون ويُصَفِّقُون.. فهم ليسوا أمناء على العبادة ولا على مراد الله من خلقه، ولا على حياة الإنسان وهدفه، ولا على سعيه وسلوكه..؛ هم يريدون ألا يفكر الإنسان.."
الوصول لمراد الله في خلقه
وقال "فماذا بعد أن جاءهم الهدى، وماذا بعد أن أرسل الله رسوله ﷺ منهم {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}. إنها ثقافة الضجيج الذي لا يبقي معه فرصة لبرهان ولا تأمل ولا تدبر، فتنشأ العقلية الهشة التي لا تستطيع أن تفهم ولا أن تتدبر معناه، ولا أن ترى الواقع على ما هو عليه، ولا يستطيع المؤمن حينئذ أن يدرك شأنه، ولا أن يعلم عصره، ولا يعلم كيف يفكر في تطبيق ما أمر الله ورسوله في هذا العصر..؛ ابتغاء الوصول إلي مراد الله من خلقه."
وأضاف "في المقابل {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}. إنه الهدوء.. إنه الأمر بالسماع والاستجابة والتدبر والتفكر وترتيب الأدلة من غير إكراه {ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}. ويقول ربنا جل في علاه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }، ويقول ربنا: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي ساكتين خاشعين، { وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا }."
الخروج عن الأدب
وتابع "ويوجه توجيها عاما في الحياة، ليس فقط في الكلام والصوت الذي يخرج في نطاق الآداب التي بين الناس، بل أيضا في النفس المدركة الناطقة التي عليها التكليف؛ يقول لقمان لابنه وهو يعظه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }، ليس هذا فقط في الآداب الاجتماعية بل أيضا في كيفية التفكير؛ فإن هذا الصوت يجب أن يكون صوتا هادئًا فيما بينك وبين نفسك."
واستطرد قائلًا: "إذا ما تتبعنا الصوت في القرآن الكريم، ورأيناه في جانب المفسدين ضجيجًا وجلبةً وصيحةً، فقد جعله الله أيضا علامة على العذاب {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً} نعم إنه العذاب... وأولئك.. {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ}نعم إنه العذاب... ويجعـل الله سبحانه وتعالى في المقـابل (الهمس) علامة جـلال ومهـابة فيقـول: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا } دلالة على الجلال والبهاء والأبهة... {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ} ثقافة الضجيج ذي العقلية الهشة أو ثقافة التدبر والحكمة؟! {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا }.
واختتم علي جمعة حديثه قائلًا: "يقول رسول الله ﷺ: (يا أيُّها الناسُ، ارْبَعوا على أنفُسكم، فإنكم لا تَدْعونَ أصَمَّ ولا غائبًا، إنهُ معكم، إنهُ سميعٌ قَريب، تَبارَكَ اسمهُ، وتَعالى جَدُّه).. علمنا رسول الله ﷺ كيف نهدأ، وأن الضجيج ظاهرا وباطنا ممنوع في ديننا."