الحوار الوطني.. كثير من التشاؤم قليل من التفاؤل.. وخبراء: هذه شروط نجاحه
حالة من القلق تنتاب الأوساط السياسية تجاه مستقبل الحوار الوطنى فى ظل تصعيد بعض رموز المعارضة خلال الفترة الماضية وتمسكهم بمطالبهم التى أعلنوا عنها فى بيان للحركة المدنية مما يهدد بتفجير الحوار وإلغائه قبل أن يبدأ، بغض النظر عن مشروعية المطالب من عدمها.
ويعرف كل من يؤمن بالديمقراطية أن أهم أركانها الحوار، تُعلمنا التجارب التاريخية خاصة فى مراحل التحول الديمقراطى أن الحوار يعطى الدولة فرصة كبرى لتنفيذ أجندة الإصلاح وصياغة عقد اجتماعى جديد يُمكن أن يقود البلاد ويصعد بها من توترات وتقلبات وانتكاسات أحيانا إلى ديمقراطية مؤسسية شاملة ومزدهرة. وللحوار حتى يكتمل ويحقق أهدافه عدة أسس، تشترك كل الأطراف فى صياغتها من أجل الصالح العام، وهو ما يرصده مصر «فيتو» نقلا عن ألوان الطيف السياسى والكتاب وأصحاب الرأى فى المجتمع المصري.
كل الأطياف
تامر فؤاد القاضى، الكاتب والباحث وأحد نشطاء ثورة يناير يقول: "أى سياسى يعرف يعنى ايه حوار سياسي"، والحوار السياسى المطروح من الرئيس والذى أكد فيه على حوار يشمل كل الأطياف السياسية دون استثناء، هو أمر مطلوب بل تأخر كثيرا، مضيفًا: "منذ بدأت روسيا الحرب فى أوكرانيا، وهناك لجان حوار مشكلة من الروس والأوكران للوصول إلى حلول وتوافق، فما بالك بأهل وطن واحد"، واستكمل: "احنا فى النهاية مش أعداء، أبناء وطن واحد، ومصلحة البلد تمشى ومائدة الحوار تسع الجميع ويجلس عليها الجميع دون قيد أو شرط".
ووصف بعض الأصوات المعارضة للحوار الوطني قبل أن يبدأ بالمزايدين، مطالبًا إياهم بإعادة النظر بعين الإنصاف إلى هذه الخطوة الإصلاحية.
شروط النجاح
الفقيه القانونى نور فرحات، يرى أن الحوار السياسى حتى يكون جادًا له شروط إجرائية وموضوعية، فالحوار الشكلى لن يسفر عن أية نتيجة إيجابية لا لمصلحة النظام السياسى ولا لمصلحة مستقبل الوطن، مضيفًا: هناك فرق بين الحوار وإملاء وجهات النظر، كما أن هناك فرقا بين الحوار والدعاية السياسية، فالحوار فى معناه الأول يعنى إدارة الاختلاف وصولا للحق الذى هو وسط بين نقيضين، مشيرا إلى تجربة الرئيس عبد الناصر قائلا:
"عبد الناصر صاحب المشروع السياسى الأشهر فى تاريخنا الحديث، مع تعدد معارضيه وأشياعه كانت له تجارب حوارية جادة وثرية أهمها المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية الذى عقد عام ١٩٦١ وسبقته لجنة تحضيرية ضمت رموز الفكر فى ذلك الوقت".
يوضح الفقيه القانونى أن هناك شروط إجرائية للحوار الجاد، منها ألا ينفرد أحد بوضع أجندته أو تحديد أطرافه، فالمصريون أدرى بما يجب أن يتحاوروا من أجله، بل هم يتحاورون فعلا حول أمور معايشهم كل ساعة ودقيقة.
واستطرد: كما يجب أن تضم أطراف الحوار كل القوى السياسية والاجتماعية والمهنية والاقتصادية المهمومة بأمر التطور السلمى فى مصر والتى تنبذ العنف، مضيفًا: موضوعات الحوار كثيرة ومتراكمة من خبرة المصريين عشرات وعشرات السنين أولها المسألة الاقتصادية، وأولويات التنمية وتوزيع أعبائها، وسياسة الاقتراض الدولى والمحلى وبيع الأصول، وثانيها قضية العدالة الاجتماعية، وتوزيع الدخل القومى والإنفاق العام ومكافحة الفقر.
أضاف: ثالثها قضية الشرعية وسيادة القانون وإصلاح نظام العدالة وضمانات استقلال القضاء، ورابعها الحقوق والحريات العامة وخاصة حرية الرأى والتعبير والحق فى المشاركة السياسية وفقا للدستور، وكيفية درء انتهاكات الحقوق الدستورية وتحقيق الموائمة بين الحريات والأمن القومى.
لفت الفقيه القانونى إلى أهمية وضع حدود للعلاقة بين الأمن والسياسة، والفساد وكيفية مقاومته، وتحديث الإدارة الحكومية والخدمات العامة، والحريات الإعلامية والصحفية، واستقلال مؤسسات الرقابة، والعلاقة بين الدين والسياسة والدولة، مختتما: متى تنعم مصر بحوار سياسى جاد يرسم طريقا مشرقا لمستقبل مشرق.
تفاوض لا حوار
على جانب آخر، يرى المفكر السياسي الكبير عبد العظيم حماد يرى أن التحفظات التى أبداها البعض ليست سوى شروط أو مطالب لضمان نجاح الحوار، منوهًا إلى أن المطالب أقرب إلى أن تكون أمنيات لبناء الثقة.
وأوضح أن هناك قلة قليلة شككت فى جدية التزام السلطة بشروط حوار جاد، واستعدادها لتنفيذ مخرجاته، لكن هذه القلة -والحديث لـ"حماد"- لم تنكر وجود حاجة موضوعية لمثل هذا الحوار، على حد وصفه.
نقلًا عن العدد الورقي…،