رئيس التحرير
عصام كامل

خناقة الكهرباء في كل بيت

أكثر واحد تكره رؤيته هذه الأيام هو محصل الكهرباء، بمجرد فتح الباب ورؤيته ينقبض قلبك وجيبك ويطالعك هو بابتسامة المنتصر المظفر. حسنا لقد اصطدتك، لن تستطيع الفرار. ادفع الآن. اترك كعب الفاتورة وسأدفع في فورى. يا باشا ادفع الآن أنا موجود بدلا من الدوخة. من كل كلامه سمعت فقط كلمة ياباشا. رأيتني زمان، عدت من الماضي إليه وقلت له:  لو باشا كنت دفعت الآن ولا أجلت ولا أخرت..

 

الباشوات شكل تاني وجيب تاني! أقنعته أنى سأدفع يوم قبض المعاش ورجوته ألا يختار يوم عشرين من كل شهر ليأتي ويذكرني بأني كنت باشا في الأيام الخوالي ومن ثم فلابد من الدفع في الظرف الحالى. مط شفتيه وامتعض وانصرف وكورت الكعب في يدي المتوترة. لما انقلبت إليهم في البيت كانت بي كمية من الغضب والضيق تكفي لإشعال حريق معتبر، ومع أني قلت في نفسي إن من الفطنة ابتلاع الأزمة بدلا من تفجيرها خصوصا أنه لا أحد سيطبطب عليك، إلا أن السيدة زوجتى قالت كم الكهرباء، فكأنها داست على لغم وقلت محنقا: ألف جنيه، ابتسمت وقالت يدوب!

الحر والتكييف


ضبطت أعصابي وابتلعت براكين، وسمعتها تقول لابنى وأنا أغادر موقع الانفجار العائلي الوشيك: يعنى نموت م الحر، الواحد بينام وجسمه بيصهد ويلزق. هين قرشك ولا تهين نفسك! صحيح جدا إهانة القرش مقدمة على إهانة النفس، فقط هاتوا القرش لكي نشبعه ضربا وسحلا ونبعثر كرامته..
كل ليلة اصحو متصورا أنهم ناموا، فأجد الأنوار مشعشعة في الغرف وفي الحمامات والمطبخ والصالون، ولما تسأل تجد الجواب:  نسيت يا بابا أعمل إيه والله نسيت.


لكن أمهم تعاجلنى وفي صوتها نبرة حسرة على شبابي: ما كنتش كده أبدا.. فأرد ولا أنتم ولا الأيام ولا الناس ولا وزير الكهرباء إف إف طهقت! وأتابع بنفسي إطفاء نور كل غرفة، لكن التكييف شغال لا يهمد ولا يتحرق، يحرق فقط في أعصابي وجيبي، فقلت لما يناموا أدخل واطفئ، ودخلت غرفتى التى كانت مدخل فرن بلدي، الصهد يشوى الوجوه، تحاملت وتحملت ونازعتنى نفسي أن أفتح التكييف أبرد الغرفة ثم إن الرطوبة جعلتنى ملتصقا بعضي البعض.. قاومت نزعتى الشريرة وقلت كيف أطالبهم ألا يفعلوا ما سأفعله. وأمرت نفسي أن أنام، والظاهر إنى غفوت طويلا فاستيقظت مخضوضا أتفقد من ذا الذي يبدد ما تبقي في جيبي، فوجدتهم فاتحين التكييفات، كل واحد في غرفته!


عندئذ تحولت. بالفعل تحولت، ورأيتنى كائنا شرسا مستبدا، فمضيت افتح كل باب مغلق فإن وجدت التكييف اللعين يعمل بهمة وبلا كلل، أطفأت روحه وسلبته طاقته وحولته إلى قطعة حديد. في غرفة المعيشة لم اجرؤ أن اقترب، فقد شخصت إلى زوجتى أن جرب أن تغلقه! تحولت مرة أخرى، وسحبت ناعم وسمعتني أتلطف وأقول: مش حتنامى؟ وجاءنى الرد الحاسم: فين؟ في الفرن اللي أنت نايم فيه؟ أنا قاعدة هنا في التكييف!

 


كالأرنب همست: براحتك خالص براحتك خالص! لابد أنها ابتسمت إذ انتصرت وانقلبت عائدا إلى غرفتى الحارة، ومخي يعمل بأسرع من دوران قرص عداد النور: كيف أسحب الفيشة وأضلمها عليهم وأعمل نفسي نايم مع الملايكة، لايزال مخي يفكر ويفكر والعداد يدور ويدور ويدور ووقع أقدام منصور محصل الفواتير تطبق على أنفاسي..

الجريدة الرسمية