الاقتصاد الحقيقي وإنتاجية اليد العاملة
تحديات اقتصادية عديدة ألقت بظلالها علي العالم أجمع، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة بسبب تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية والتي باتت تشكل تحديا لدور الدولة التنموي، بالإضافة إلي تكلفة فاتورة الحرب علي الإرهاب والنمو السكاني السريع في مصر داخليا وتأثيرة علي قدرات الدولة المالية وكفاءة الإنفاق الحكومي علي شبكة الأمان وبرامج الحماية الاجتماعية. بالرغم من كل هذه التحديات إلا أن الفرص مازالت سانحة لتعزيز دور القطاع الخاص كقاطرة للنمو وشريك أساسي مع الحكومة لتحمل المسئولية الاجتماعية في إتاحة فرص عمل ومستوى أفضل للدخل في ظل الدور المنوط بالدولة في وضع ضوابط تنافسية للأسواق.
في تقرير أعده البنك الأوروبي للاستثمار مع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والبنك الدولي تم نشره الأسبوع الماضي بعنوان: إطلاق العنان للنمو المستدام للقطاع الخاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جاء فيه شواهد من مسوح مؤسسات الأعمال شمل أكثر من 5800 مؤسسة أعمال رسمية في مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس والضفة الغربية وقطاع غزة، تطرق إلي أن تعزيز الاستثمار وتسريع وتيرة نمو الإنتاجية يعتمد بالأساس على تمكين الابتكار ومساعدة اعتماد حلول التكنولوجيا الرقمية والاستثمار في رأس المال البشري عن طريق التعليم والتدريب وتشجيع الشركات علي الاستفادة من مزايا المشاركة في التجارة العابرة للحدود وسلاسل القيمة العالمية علي نطاق أوسع.
في حين أن معدلات الابتكار في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقل عن مثيلاتها في البلدان الأخرى متوسطة الدخل، تجلت أهمية الابتكار للشركات خلال أزمة جائحة كورونا لتكتسب مزيدا من الصمود ولتحسين استجابتها للتكيف مع الصدمة الاقتصادية خاصة مع التكامل التجاري مع الاقتصاديات المتقدمة، وإمكانية الحصول علي الخبرة الفنية من خلال المشاركة في سلاسل القيمة العالمية والذي بدوره يلعب دورا حيويا في زيادة حجم السوق وتعزيز التنافسية والاستفادة من تقليل التكلفة عن طريق نقل عمليات الإنتاج من البلدان المتقدمة التي تعمل في مجالات تسودها روح الابتكار إلي البلدان التي تمر بمستويات أقل من التنمية شريطة الالتزام بتوحيد القياس وإعطاء السياسات أولوية للاستثمار في البنية التحتية الرقمية وأن تولي اهتماما لتحسين الممارسات الإدارية والمهارات الرقمية للعمال.
مؤشرات الاستثمار البشري
وبالحديث عن المهارات، فبحسب مؤشر رأس المال البشري الذي نشرته مجموعة البنك الدولي في 2018 وتم تحديثه في 2020 فإن انتاجية نحو 60% من الأطفال المولودين اليوم ستبلغ في أحسن الأحوال 50% فقط عندما يكبرون مقابل نسبة إنتاجية كاملة إذا تمتعوا بقدر كامل من التعليم والصحة الجيدة. وهو أحد أسباب ارتفاع نسبة البطالة والفجوة الكبيرة بين المهارات التي يتطلبها سوق العمل وتلك التي يملكها الخريجون. خاصة وأن الوظائف الحالية والمستقبلية تتطلب مهارات غير روتينية للتواصل بين الأفراد بالإضافة للمهارات التحليلية.
تأتي مؤشرات الاستثمار في رأس المال البشري غير مرضية وتعد مستويات التدريب الرسمي متدنية لدى الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فبحسب بيانات الفترة من 2018 – 2020 نسبة 29% من الشركات المتوسطة والكبيرة قدمت تدريبات رسمية مقارنة بنسبة 41% في أوروبا وأسيا الوسطى.
إذن فرأس المال المادي هو أداة فعالة لتعزيز النمو الاقتصادي، فرأس المال البشري غير المادي هو أداة تعزيز التنمية الشاملة للدول، والتي لا يمكن تطويرها بمعزل عن تنمية المواهب وربط مؤشر الأسواق الناشئة بنموذج مؤشر التنافسية العالمية للمواهب GTCI، وهو مؤشر مركب يتكون من 3 مؤشرات رئيسية هي:
1. مؤشر مدخلات القدرة التنافسية للمواهب والذي يتكون من 4 ركائز تصف السياسات والموارد والجهود التي تسخرها الدول لتعزيز قدراتها التنافسية للمواهب. الركيزة الأولي هي الاتاحة/ التمكين التي تعكس إلي أي مدى تخلق القوانين وبيئات الأعمال المناخ المناسب لتطوير ونجاح المواهب. الركائز الثلاثة الأخري تصف دوافع تنافسية المواهب وما تقوم به الدول لجذب ونمو والاحتفاظ بالمواهب. وبالتالي فإن مؤشر مدخلات القدرة التنافسية هو متوسط حساب الركائز الأربعة السابقة.
2. مؤشر مخرجات القدرة التنافسية للمواهب والذي يهدف إلي وصف وقياس جودة المواهب في الدولة نتيجة للسياسات والموارد والجهود التي تم الإشارة إليها مسبقا بناء علي ركائز المهارات المهنية والفنية، والمعرفية الحديثة المتوفرة التي توفرها الدولة للمواهب.
3. مؤشر التنافسية العالمية للمواهب وهو متوسط حساب كل الركائز السابقة.
جدير بالذكر أن سويسرا وسنغافورة والولايات المتحدة علي رأس قائمة مؤشر التنافسية العالمية للمواهب GTCI، في حين تأتي بوروندي والكونغو الديمقراطية واليمن في ذيل القائمة. أما مصر فتحتل المرتبة ال 96 من أصل 125 دولة، وتفصيليا ال 105 في تمكين المواهب، 116 في جذب المواهب، 102 في نمو المواهب، 68 في الاحتفاظ بالمواهب، 103 في المهارات المهنية والفنية و59 في المهارات المعرفية.
تلك التحديات التي أفردنا لها السطور السابقة والتي قد تتطلب سياسات تقشفية على مستوى البلدان والمؤسسات إلا أن أساس الربحية وصحة الاقتصاديات تتحدد من خلال انتاجية اليد العاملة وتطوير أدائها، ودعم وتمكين المواهب، واعتماد حلول التكنولوجيا الرقمية لتسريع وتيرة نمو الانتاجية.