تناقضات الحكومة.. قرارات بعيدة عن مصلحة الفقراء.. ورفع الدولار الجمركي يضاعف الغلاء
دأبت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي على امتداح نفسها، وتثمين أدائها، وتعظيم أدائها، الحكومة ترى أنها صنعت ولا تزال تصنع المستحيل في ظل متغيرات اقتصادية جسيمة، أبرزها: تفشي فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية على الترتيب.
خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات البنك الإسلامي للتنمية، التي عقدت في شرم الشيخ ختام الأسبوع الماضي، تحدث “مدبولي” بإكبار شديد وثقة مفرطة عن أداء حكومته، مشددًا على أنها أنجزت حزمة كبيرة من الإصلاحات الاقتصادية.
وفي مقابل هذه النبرة المتفائلة.. تظهر نبرة أخرى أقل تفاءلًا، ترى أن الحكومة الحالية ليست على المستوى المطلوب، وأن إخفاقاتها أكثر من إنجازاتها، وأن أوزارها أكبر من نفعها، وأن عوارًا عظيمًا يكتنف أداءها، وأنه حان الأوان لتعديلها تعديلًا جذريًا، أو تغييرها تغييرها كاملًا.
هذا التيار الذي ينطلق من أرضية وطنية صادقة وخالصة، يرصد عديدًا من صور القصور والهوان التي قادت إلى أرقام قياسية غير مسبوقة في الديون المحلية والخارجية، وكذلك موجات الغلاء المتلاطمة والمتلاحقة التي تثقل كواهل القطاع الأعظم من المصريين.
"فيتو" تناقش في هذا الملف مُجمل أداء الحكومة، ومدى مواءمة سياساتها لظروف المصريين، وهل حان وقت تجديد الثقة بها، أم حان وقت الرحيل؟
أزمات متلاحقة
عاش المصريون خلال العامين الماضيين مجموعة من الأزمات التى حالت دون النهوض بالمعدلات المطلوبة للاقتصاد للمصرى، بداية بانتشار فيروس كورونا المستجد، ومرورا بالحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع معدلات التضخم، والتى أثرت على معظم دول العالم، وبالتحديد الدول الناشئة، وخلال هذه الفترة اتخذت الحكومة المصرية عددا من القرارات للحفاظ على الاقتصاد من التآكل، والمساهمة فى الخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة، وبالرغم من أن هذه القرارات كانت صعبة على المواطنين محدودى ومتوسطى الدخل إلا أن البعض يراها الحل الأنسب لحماية الدولة من مصير مجهول.
إلى ذلك.. كشف عدد من خبراء الاقتصاد، ما يدور فى عقل الحكومة المصرية، والإيجابيات والسلبيات التى ظهرت خلال الفترة الأخيرة بالتزامن القرارات التى تم اتخاذها للخروج من الأزمات المتتالية التى تعرضت لها، بالإضافة إلى الأولويات التى تصب فى مصلحة الدولة، ليتم من خلالها تحديد هل الدولة تسير فى الطريق الصحيح أم لا على مسار العملية الاقتصادية.
من جانبه.. قال الدكتور محمود عبد الحى أستاذ الاقتصاد الدولى ومدير معهد التخطيط القومى السابق، إن البلاد تمر بأزمة صعبة خلال الفترة الحالية، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وبالرغم من التعامل الكبير والإجراءات المختلفة التى اتخذتها أثناء جائحة كورونا، والتداعيات الصعبة التى تعرض لها الاقتصاد المصرى، إلا أن هناك بعض القرارات السلبية وغير المدروسة أثرت على المواطنين بعد ارتفاع الأسعار.
وأوضح "عبد الحى" فى تصريحات خاصة لـ "فيتو"، أنه من المهم العمل على متابعة المشروعات، مع وجود رؤية قوية للنهوض بالاقتصاد المصرى، بالرغم من الأزمات التى يعانى منها، مشيرا إلى أن مصر عانت من عدة مشكلات منذ حوالى 40 عاما، ولكن مع بداية عصر الرئيس عبد الفتاح السيسى، كان هناك رؤية جادة لتصحيح أخطاء الماضى للتطلع لمستقبل مشرق، عبر الصيانة المختلفة لمختلف القطاعات، مطالبا بضرورة عمل تخطيط للصيانة الدورية لكافة المشروعات التى تعمل عليها الدولة حتى لا تتعرض للتلف نتيجة الإهمال.
الأسعار
وأشار إلى أن البعض يتعامل مع المواطنين على أنهم لا وجود لهم، ويتم اتخاذ قرارات بدون حسابات لتداعياتها على ارتفاع الأسعار، فى الوقت الذى تبحث فيه الدولة عن مصلحة المواطن والعيش فى حياة كريمة، مؤكدا على أنه يوجد هناك أمور أساسية يجب النظر إليها، لحصول المواطنين على حقهم فى الأكل والشرب.
وأوضح أن الحكومة تبذل مجهودا كبيرا ولكن يجب أن يكون هناك نظرة للمواطن البسيط، والحد الأدنى للدخل، حتى لا يتعرضوا للفقر، بالتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم، بالإضافة إلى أن يكون هناك خطة لتثقيف المواطنين بالعملية الاقتصادية والأزمات التى تمر بها البلاد وإيجاد الحلول اللازمة لها بدون المساس بحقوق المصريين.
وأكد على أننا نسعى للوصول إلى تفكير متكامل فى مختلف المجالات والمشروعات التى تعمل عليها الدولة، لتحقيق النهوض بالبلاد وتجاوز الأزمات التى تمر بها، مضيفا أن حل الأزمات يحتاج إلى تفكير ناضج من الحكومة للوصول إلى نتائج إيجابيية بالاقتصاد والوصول إلى وضع اقتصادى مستقر فى مصر، مشيرا إلى أن هناك توقعات بتغيير الحكومة بعد الحوار الوطنى الذى أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى، ولكن فى الوقت الحالى من المهم بقاء الحكومة لاستكمال المسيرة التى بدأتها فى محاولة النهوض بالدولة، لأن الحكومة الجديدة تأتي بفكر مخلتف ولا تبنى على ما سبقها واستكمال الإنجازات التى والمشروعات المختلفة.
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادى، ورئيس المنتدى المصرى للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية الدكتور رشاد عبده، إن هناك عددا من القرارات التى اتخذتها الدولة خلال الفترة الأخيرة تتناقض مع التوجهات للإصلاح الاقتصادى، مما تؤثر بالسلب على المواطنين من عدة جهات، مشيرا إلى أن قرار رفع سعر الفائدة له العديد من التداعيات الإيجابية على الاقتصاد، إلا أن القرار الأخير برفع سعر الدولار الجمركى يؤثر على المواطنين ويتسبب فى ارتفاع نسبة التضخم مرة أخرى.
وعن طريقة تفكر الحكومة اقتصاديا أوضح عبده، فى تصريحات خاصة لـ "فيتو"، أنه من الناحية العملية يوجد تناقضات فى القرارات الحكومية، وهذا لأن رفع سعر الدولار الجمركى يتسبب فى ارتفاع أسعار المنتجات المستوردة من الخارج، وبالتالى سوف ترتفع الأسعار على المستهلكين، مطالبا بضرورة أن يكون هناك تنسيق مستمر بين مختلف جهات الدولة قبل إصدار أي قرارات للتعرف على وجهات النظر للخروج بقرار يراعى مصالح الجميع بدلا من التأثير على إيجابيات القرارات السابقة.
المجموعة الاقتصادية
أما بالنسبة لتعامل الحكومة مع الأزمات فيرى إسماعيل عبده أن أداء الحكومة هو ما يحدد الدور والطريق الذى تسير عليه سواء لتحقيق معدلات اقتصادية إيجابية بالرغم من الأزمات، أو استمرار الأرقام السلبية فى الاقتصاد وتداعيات ذلك على المواطنين، مؤكدا أن هذا الأمر يستدعى إجراء الدراسات، بالإضافة إلى الاستعانة بأصحاب الخبرات للخروج بقرارات مناسبة تخدم جميع الأطراف دون المساس بالمواطن البسيط الذى يعانى من الأزمات المتتالية على مدار الأعوام الأخيرة.
وأشار إلى أن أداء المجموعة الاقتصادية ليس بالشكل الذى يرغب فيه الشعب المصرى لأن القرارات التى تتخذها لا تعود بأى إيجابيات على الشارع المصرى، ولكن العكس سواء من ناحية تراجع سعر الجنيه أمام الدولار بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار المستمر، بالتزامن مع زيادة نسبة التضخم فى الدولة، مما أثر على الاقتصاد المصرى بشكل سلبى.
وعن أولويات الحكومة، أكد على أن مصلحة الدولة هى التى تتحكم فى الأولويات لأن الشخص لا يستطيع أن يتحكم فى شعب، ولكنه يسعى بشتى الطرق لتوفير حياة أدمية تليق بالجميع، دون النظر إلى الأولويات الاقتصادية التى لا تنتج من دراسة وافية تحفظ حقوق الجميع.
وعن الاستثمارات الأجنبية، قال الدكتور نبيل زكى، أستاذ الاقتصاد الدولى بمعهد نيويورك للعلوم المالية، أن الاستثمارات هى الحل الأنسب التى يتم من خلالها معالجة المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى، موضحا أن أفضل الاستثمارات التى تمكنت الدولة من استقدامها كانت فى قطاع الغاز والبترول، لافتا إلى أن هناك تراجعا فى الاستثمارات الأجنبية فى مصر، وهذا بالتزامن مع تراجع معدلات الادخار والتى لا تتجاوز حاجز الـ13%، مما يجعل الحكومة أمام خيار مهم يتمثل فى جذب الاستثمارات بشتى الطرق.
وأضاف "زكى" يجب أن تتعامل الحكومة مع الاقتصاد على أنه أمن قومى للدولة، مما يحتاج من جميع الجهات المسئولة أن تعمل على اتخاذ قرارات تعمل على النهضة بالاقتصاد وتحقيق المعدلات المطلوبة فى ظل الأزمات التى تعانى منها البلاد بشكل كبير، مشيرا إلى أن الاقتصاد عبارة عن علم وفن وخبرة وعدم تطبيق الأسلوب العلمى ليس شيء جيد، فى الوقت الذى يتم فيه اتخاذ بعض القرارات دون دراسة مخاطرها على الساحة، وهذا فى الوقت الذى تعانى فيه جميع الدول العالم من فترة صعبة نتيجة ضعف العجز، بالإضافة إلى تفاقم عدد السكان والزيادة السكانية.
وأكد على أن الدولة المصرية استطاعت أن تبنى قوة اقتصادية على مدى السنوات الماضية، بفضل الإصلاح الاقتصادى الذى بدأت فيه منذ عام 2016، وحققت خلاله طفرة فى كافة القطاعات، وبالتحديد فى قطاعى الكهرباء والغاز، مما ساعد الدولة على أن تصل إلى المركز الـ14 فى العالم ضمن الخريطة العالمية للغاز، مشددا على وجود بنية أساسية مميزة وتحتاج للاستثمار.
وأشار إلى أن بعض الحكومات العربية تهتم برضاء الشعوب حتى تضمن استمرارية الحكم واستقرار الدول، وهو ما أثر على تقدمها، إلا أن الدولة المصرية حاليا أعطت الأهمية الكبرى للمستقبل لضمان جودة حياة للأجيال القادمة، مشددا على أن استمرارية المؤسسة الكبرى قائم على كونها إبداعية، بجانب أهمية وضع نظام حاكم لحماية الملكية الفكرية وتقليل فجوة الحماية التى نعانى منها الآن.
وأوضح أن الاقتصاد المصرى استطاع أن يستوعب التداعيات العالمية الحادة من جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، وما استتبعها من تغييرات فى السياسات النقدية العالمية حيث تمكنت الدولة من الحفاظ على المسار المالى والاقتصادى الآمن، والوضع النقدى المتزن، بالإضافة إلى استقرار احتياطيات النقد الأجنبى بعد وفاء الدولة بجميع الالتزامات الدولية.
نقلًا عن العدد الورقي…