رئيس التحرير
عصام كامل

بعد الحذف والإضافة.. قصة خطاب تنحي عبد الناصر عن الحكم.. وسر استبعاد شمس بدران لخلافته

الرئيس عبد الناصر
الرئيس عبد الناصر

عقب وقوع نكسة 67 كتب الصحفى محمد حسنين هيكل خطابًا أذاعه الرئيس جمال عبد الناصر على الهواء في مثل هذا اليوم التاسع من يونيو 1967 أعلن فيه قرار التنحى عن رئاسة الجمهورية، ونقلت الخطاب الإذاعة والتليفزيون المصرى والعالمى.

وقد وصف الكاتب محمد حسنين هيكل الخطاب بقوله: أرهقتني سطورُه أكثر من أي شيء آخر كتبته من قبل، وظننت أنني حفظت العبارات والألفاظ من كثرة ما راجعتها وغيَّرت فيها وبدلت.

كان هيكل هو الشاهد الوحيد على كلمات هذا الخطاب بعد أن تحدث مع عبد الناصر بل كان هو مَن اقترح اسم زكريا محيى الدين للرئاسة.

 

رواية الأستاذ هيكل 

في كتابه "الانفجار" يكشف هيكل الرواية كاملة ويقول: في تلك اللحظات كانت الصحف تتحدث عن حجم الخسائر التي لحقت بالجيش المصري، والمعارك التي ما زالت تدار على الجبهة، والرئيس الراحل عبد الناصر يتابع عن كثب تطورات الأحداث، ومن هنا شعر بحجم الكارثة والموقف المؤسف الموضوع فيه الجيش المصري، ومع ذلك حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعندما أدرك أن الموقف خارج السيطرة، اتصل بوزير الخارجية محمود رياض ليطلب من القوني سفير مصر في الأمم المتحدة نيويورك، إبلاغ موافقة مصر على وقف إطلاق النار. 

 

قرار التنحى 

وأضاف: "خلال جلسة منفردة جمعتني مع عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، اقترح الزعيم تقديم استقالته للشعب، وأن يكون شمس بدران رئيسا مؤقتا لمصر، ووافق عامر، واتصل بى ناصر، وبدا صوته لأول وهلة على التليفون مثقلا بهموم الدنيا كلها، وقد سألني ما الذي أقترح عمله، وكان رأيي أنه لم يبق أمامه غير الاستقالة، وكان رده بالحرف: غريبة هذا ما فكرت فيه تمامًا، وكان ردي أنه ليس هناك خيار آخر".

 

تغيير كلمة 

وتابع: "لكن بعد أن قرأ ناصر الخطاب ووجد عبارة “أنني على استعداد لتحمل نصيبي من المسئولية، توقف ثم طلب أن يحذف كلمة نصيبي، ويضيف بدلًا منها المسئولية الكاملة، وكانت تلك رؤية ناصر إنه المسئول الأول والأخير عن النكسة”.

وأوضح “هيكل” أنه كتب خطاب التنحي لكنه لم يكتب تكليف شمس بدران وزير الحربية في ذلك الوقت بالرئاسة بدلًا من ناصر، واقترح هيكل على جمال عبد الناصر أن يكون التكليف لزكريا محيى الدين أقدم أعضاء مجلس قيادة الثورة سنًّا بجانب مميزات شخصية تمكنه من لملمة شتات الوطن المبعثر، وقد وافق ناصر، وكتب هيكل الخطاب على هذا الأساس. 

افتتح عبد الناصر الخطاب بقوله: أيها الإخوة المواطنون.. لا نستطيع أن نخفي على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال .. الأيام الخطيرة، لكني واثق أننا جميعا نستطيع أن نجتاز موقفنا الصعب".

وأضاف الرئيس: لقد تعودنا معًا فى أوقات النصر وفى أوقات المحنة.. فى الساعات الحلوة وفى الساعات المرة أن نجلس معا وأن وأن نتصارح بالحقائق، مؤمنين أنه من هذا الطريق وحده نستطيع دائما أن نجد اتجاهنا السليم، مهما كانت الظروف عصيبة، ولا نستطيع أن نخفى على أنفسنا أننا واجهنا نكسة خطيرة خلال الأيام الأخيرة، لكنى واثق أننا جميعًا نستطيع - وفى مدة قصيرة - أن نجتاز موقفنا الصعب، وإن كنا نحتاج فى ذلك إلى كثير من الصبر والحكمة والشجاعة الأدبية، ومقدرة العمل المتفانية.

 

هجمة استعمارية 

كانت مصادر إخواننا السوريين قاطعة بأن هناك قصدًا مبيتًا ضد سوريا. ولقد وجدنا واجبًا علينا ألا نقبل ذلك ساكتين، وكنا ندرك أن احتمال الصراع بالقوة المسلحة قائم، وقبلنا بالمخاطرة.. إلا أن ضربة العدو جاءت، وإذا كنا نقول الآن بأنها جاءت بأكثر مما توقعناه؛ فلابد أن نقول فى نفس الوقت وبثقة أكيدة إنها جاءت بأكبر مما يملكه، مما أوضح منذ اللحظة الأولى أن هناك قوى أخرى وراء العدو، جاءت لتصفى حساباتها مع حركة القومية العربية. 
إن قوى الاستعمار تتصور أن جمال عبد الناصر هو عدوها، وأريد أن يكون واضحًا أمامهم أنها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر.

ولقد كنت أقول لكم دائمًا: إن الأمة هى الباقية، وأن أى فرد مهما كان دوره، ومهما بلغ إسهامه فى قضايا وطنه، هو أداة لإرادة شعبية، وليس هو صانع هذه الإرادة الشعبية.

 

تكليف زكريا محيى الدين 

وتطبيقًا لنص المادة 110من الدستور المؤقت الصادر فى شهر مارس سنة 1964 فلقد كلفت زميلى وصديقى وأخى زكريا محيى الدين بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية، وأن يعمل بالنصوص الدستورية المقررة لذلك، وبعد هذا القرار فإننى أضع كل ما عندى تحت طلبه، وفى خدمة الظروف الخطيرة التى يجتازها شعبنا.

وتابع: إن هذه ساعة للعمل وليست ساعة للحزن، إنه موقف للمثل العليا وليس لأية أنانيات أو مشاعر فردية. إن قلبى كله معكم، وأريد أن تكون قلوبكم كلها معى، وليكن الله معنا جميعًا.

 

أغنية أم كلثوم 

حول هذا الموقف وهذا المشهد كتب الشاعر صالح جودت أغنية “ابق فأنت حبيب الشعب“ لحنها الموسيقار رياض السنباطى، وغنتها أم كلثوم تقول فيها:

"قم واسمعها من أعماقى.. فأنا الشعب ابق فأنت السد الواقى لمنى الشعب.. أنت الأمل الباقى لغد الشعب أنت الخير وأنت النور.. أنت الصبر على المقدور.. أنت الناصر والمنصور ابق فأنت حبيب الشعب.. دم للشعب". 

الجريدة الرسمية