رئيس التحرير
عصام كامل

تحالفات الكبار.. مناورات روسية صينية تشعل الأجواء.. تحرك كورى يابانى فورى.. وتهديدات لـبايدن على العلن

المناورات الروسية
المناورات الروسية الصينية

منذ أن أعلن الرئيس الأمريكى جو بايدن فى الـ19 من مايو الماضي عن زيارته لآسيا فى جولة تعد هى الأولى له منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، وتخصيصه بالذكر كوريا الجنوبية واليابان محطتين فقط له خلال الزيارة بزعم تتويج الدبلوماسية الأمريكية النشطة حيال منطقة المحيطين الهندى والهادئ الإستراتيجية والتى أكدت الإدارة الأمريكية الديمقراطية أنها تحظى بالأولوية لديها، فى إشارة إلى مقاربة ملف احتواء نفوذ الصين المتنامى فى المنطقة، والتساؤلات بدأت تفرض نفسها عن هذه الزيارة وما ورائها والنتائج المترتبة عليها.

الصين وروسيا
وجاءت تلك الزيارة تزامنًا مع الوقت الذى تشهد فيه الصين وروسيا تناميًا ملحوظًا وصل إلى حد الأفعال لا الأقوال فى منطقتى المحيط الهادى والهندى لمواجهة التحالفات التى دشنتها أمريكا مؤخرًا بعد أن كانت فى طى النسيان، وخاصة بعد أن نسجت واشنطن سلسلة تحالفات أمنية وسياسية تحت مسمى "أوكوس-كواد"، وصعدت من تصريحاتها دفاعًا عن تايوان، بينما حشدت حلفاءها بأوروبا وفرضت 6 حزم من العقوبات ضد موسكو لشل الاقتصاد الروسى بعد حرب أوكرانيا.


فبعد أيام قليلة من انتهاء الزيارة أعلن الجيش الأمريكى وقوات الدفاع الذاتى اليابانية أن طائرات مقاتلة للبلدين حلقت معا فوق بحر اليابان فى استعراض للقوة بعد أن أطلقت كوريا الشمالية 3 صواريخ سقطت فى المياه التى تفصل بين اليابان وشبه الجزيرة الكورية، بزعم أن ذلك تدريب يهدف إلى استعراض القدرات المشتركة على ردع التهديدات الإقليمية والتصدى لها، وإظهار عزيمتهما المشتركة فى أعقاب إطلاق بيونج يانج 3 صواريخ فى بحر اليابان بعد ساعات من مغادرة بايدن طوكيو عقب اجتماع مع قادة اليابان والهند وأستراليا.

وفى الوقت ذاته نفذت روسيا دوريات جوية مشتركة مع الصين فوق المحيط الهادئ، بينما ادعت وزارة الدفاع الصينية أن هذه الدوريات غطت بحر اليابان وبحر الصين الشرقى وغربى المحيط الهادئ، وذلك فى إطار تعزيز التعاون الدفاعى الثنائى، وذلك بعد يوم من تهديد بايدن بالتدخل عسكريا إذا قررت الصين غزو تايوان..الأمر الذى فتح باب التساؤلات بشكل أكبر وموسع لمعرفة ما هى سيناريوهات المواجهة بين هذه الدول الكبرى وأسباب تصعيد المواجهات بين الطرفين؟ ومن أصبح متحالفًا مع من ضد من؟ وماهى نوعية الصواريخ التى يمتلكها كلا الطرفين؟ وهل تنذر تلك المناورات بمواجهة جديدة وقريبة فى الشرق البعيد.

حرب باردة
وبحسب عدة تقارير صحفية وإعلامية تعليقًا على ذلك الأمر قال قسطنطين بلوخين، الباحث السياسى والمتخصص فى العلاقات الدولية، أن العالم الآن فى حالة حرب باردة جديدة، وأن إدارة بايدن تحضر لتأسيس عملية ردع لروسيا والصين، فالعالم أصبح منقسم إلى قسمين الأول يضم الغرب متحدًا والثانى يضم الصين وروسيا.

كما رأى بلوخين أن أمريكا ارتكبت خطأ إستراتيجيًا كبيرًا فى محاولتها ردع واحتواء روسيا والصين، فكما نعلم جميعا أن الحرب على جبهتين لا يمكنها أن تحقق نجاحًا، لذلك ربما تخسر الولايات المتحدة حربها ولا تحقق نصرًا، خاصة أن الصين هى العدو الأبرز والمنافس الرئيسى لإدارة بايدن كما كان الحال مع ترامب، ووجهة نظر الصين هى تمامًا كوجهة نظر روسيا، وهى السعى لإنشاء نظام عالمى جديد مقابل النظام العالمى التى تريد الولايات المتحدة إنشاءه، لذا تعمل الولايات المتحدة على محاولة تأسيس قاعدة جديدة للحلف ضد الصين.

وهذه الطريقة تعمل على تعزيز العلاقات بين روسيا والصين وتشكيلهما تحديًا أكبر بكثير من قدرة واشنطن على مواجهته مقارنة بمواجهتهما بشكل منفصل.


وأوضح الأكاديمى والخبير الإستراتيجى، أندرو بويفيلد، أن ما روسيا والصين هو موقف البلدين من السياسة الأمريكية تجاههما، ومع رغبة الصين فى استعادة السيطرة على تايوان تدرك أن ما حدث مع روسيا قريب منها، ولذلك تعمل بكين على الاستعداد جيدًا عبر تحالف اقتصادى ودفاعى مع موسكو بهدف تطوير منظومات مصرفية ومالية جاذبة لانضمام دول أخرى تمكنها من مواجهة أي تداعيات غربية، لافتًا إلى أنها ليست وليدة اللحظة لكن على مدار عقدين هناك شراكات واسعة بين الجانبين.

موازين القوى
ومن جانبها قالت الدكتورة نادية حلمى الخبيرة فى الشئون السياسية الصينية والآسيوية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بنى سويف، أن الصين تعمل على تغيير توازن القوى فى القارة الآسيوية والعالم بشكل جذرى، فضلًا عن محاولات الصين لتحجيم وتقييد التحالفات الأمريكية فى منطقة الإندو-باسيفيك، مثل تحالفات كواد الرباعية وأوكوس الدفاعية، مع محاولة إبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عن مناطق نفوذ الصين بقدر الإمكان، لذلك سعت الصين لإنشاء ميناء جوادر الباكستانى، والممر الاقتصادى الصينى الباكستانى، فضلًا عن سيطرة وتملك الصين واستحواذها على عدد من الموانئ الأوروبية والآسيوية والعالمية. مما يمهد للصين تصدرها للمشهد العالمى فى الفترة القادمة.


ومن أجل تعزيز المكانة الصينية اقتصاديًا فى آسيا والعالم، تستخدم الصين قوتها الاقتصادية لجذب المزيد من الدول نحو الصين وتخليها عن الولايات المتحدة الأمريكية. بالإضافة للسعى الصينى الدائم إلى زيادة القدرات العسكرية لديها، لدعم وتعزيز الردع ضد التدخل العسكرى الأمريكى فى مناطق نفوذها المباشر فى بحر الصين الجنوبى وتايوان والعالم فى مواجهة التمدد الأمريكى فى تايوان وبحر الصين الجنوبى والشرقى.


وبناءً عليه، تمكنت الصين من دعم عضويتها ومساهمتها فى مجلس الأمن الدولى، لدعم مكانتها الحالية كقوة اقتصادية عظمى، ومن هنا، تدعم الصين علاقتها مع مجموعة الدول النامية وحركة عدم الانحياز فى الأمم المتحدة، ودعمها لحوار الجنوب-الجنوب، وتعزيز علاقاتها حديثًا بالقارة الأفريقية عبر عدد من مدارس القيادة الديمقراطية الصينية فى غانا، وزامبيا وجنوب أفريقيا، وغيرها.

ومن هنا اتهمت واشنطن الجانب الصينى بإرغامه لشركات أمريكية على نقل ملكيتها الفكرية إلى الصين، والذى تسبب فى خسارة عددًا من الشركات الأمريكية لمئات المليارات من الدولارات، فضلًا عن ملايين الوظائف الأخرى، والتى ذهبت إلى عدة شركات صينية، استطاعت أن تستولى على أفكارها وبرمجياتها، أو أجبرتها على تسليم حقوق للملكية الفكرية لتنفيذ الأعمال فى الصين.

أسعار اليوان
وقامت الصين بتثبيت سعر صرف اليوان أمام الدولار الأمريكى، وهذا يعنى أن بكين عملت على تثبيت قوة العملة الصينية وسيطرتها مقابل الدولار، مما شكل تخوفًا شديدًا لواشنطن، حيث تمكنت الصين من دعم منتجاتها المختلفة فى الأسواق العالمية، مما أدى إلى زيادة صادرات الصين باعتبار أن أسعار منتجاتها أرخص من مثيلاتها الأمريكية، كما أنه يؤثر بشدة فى الصادرات الأمريكية، ويقلل العائد من صادرات الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يزيد من قيمة العجز التجارى بين البلدين.


وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، أن مشروع طريق الحرير الصينى، يشكل تهديدًا مباشرًا للولايات المتحدة الأمريكية، واستطاعت الصين دمج مبادرة الحزام والطريق الصينية فى خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام ٢٠٣٠ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. خاصة، مع سعى الصين إلى ربط العالم كله بها لتصبح هى مركز العالم وتتصدر القطبية الدولية بغير منازع. لذلك، جاء الاهتمام الصينى بدعم وبناء البنية التحتية الاقتصادية، مثل: طرق ووسائل النقل وتحديث وربط الموانئ، من أجل تعزيز الترابط الاقتصادى وتسهيل حركة التجارة العالمية. ونتيجة لذلك، تمكنت الصين من الاستحواذ على النسبة الأكبر من الاستثمارات الخارجية الصينية، فضلًا عن سيطرتها على البنية التحتية المادية لعدد كبير من الدول، مثل: الموانئ وخطوط السكك الحديدية، وغيرها.


وحول إمكانية أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية حربا مع الصين فى حال قيام الأخير بتوجيه ضربة عسكرية ضد تايوان، قال اللواء سمير فرج الخبير العسكرى أن تصريحات الرئيس الأمريكى فيما يتعلق بأزمة تايوان كانت واضحة وصريحة، بأن واشنطن ستتدخل عسكريا ضد الصين فى حال قيامها بشن عملية عسكرية ضدها.


وأكد سمير فرج أن بايدن كان واضحا ومحددا ولم تكن تصريحاته ذلة لسان، مستشهدا بأزمة أوكرانيا والتى أكد أن بلاده لن تتدخل عسكريا فى الحرب وهو ما حدث بالفعل.


ونوه اللواء سمير فرج إلى أن الصين لن تقوم بأى عمل عسكرى ضد تايوان لضمها، لأن بكين تعى جيدا أن أي حرب ستدمر اقتصادها الذى يحقق نمو كبير فى السنوات الأخيرة.


وبالسؤال حول انقسام العالم إلى معسكرين شرقى وغربى ومستقبل التحالفات العسكرية، فأجاب سمير فرج أنه من المستبعد حدوث معسكرين شرقى وغربى كما كان فى حقبة الاتحاد السوفييتى سابقا، لأن ليس هناك دولة ترغب فى الدخول فى أي حرب فى هذا الوقت، مشيرا إلى أن بكين تتعاطف مع موسكو وتدعمها لتكون قوية بدون أن يكون هناك تدخل عسكرى مباشر مع الغرب.


وفى حال نشوب حرب بين الصين وأمريكا من يكون له التفوق فى هذه المواجهة، فأوضح الخبير العسكرى أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها قوات عسكرية أقوى من الصين، ولكنها بعيدة عن تلك المنطقة، وهو ما يعطى التفوق لبكين فى هذه الحرب.


وشدد سمير فرج على أن أي مواجهة عسكرية بين قوى الشرق متمثلة فى الصين وروسيا ومعهم كوريا الشمالية من جانب وأمريكا ودول الغرب من جهة أخرى، فهذا يعنى نشوب حرب نووية تدمر الكوكب، وهذا لا يمكن أن يحدث.

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية