عبدالمنعم والكمانجا حكاية عشرة عمرها أكثر من خمسين عاما.. فيديو وصور
يحمل حقيبته السوداء في يده ويسير في طريقه إلى بيت السناري الواقع في ميدان السيدة زينب بالقاهرة، في ظهره انحناءة بسيطة تستدل بها على عمره الحقيقي، في حين يضرب الشباب بجذوره في قلبه، فمازال عبدالمنعم إمام عازف الكمان السبعيني، يبحث عن ماضيه ويستعيد لحظات الشباب الأولى من خلال الموسيقى، لا يتقن غيرها ولا يرى نفسه في أي مكان آخر غير هذا المكان، وسط أفراد فرقة "الغوري"، يستعد لهذا الحفل أولذاك في كل مرة يمسك بآلته ويعزف المقطوعة المتفق عليها سلفا.
العازف عبدالمنعم إمام: عزفت لعبدالعزيز محمود ومحمد رشدي
منذ نهاية ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، يعمل عم عبدالمنعم في المهنة ذاتها، لم يستطع أن يتخلى عن آلته يوما ، لم يتقن في حياته سوى عزف آلة الكمان وقبلها العود، وبالرغم من أن تعلمه على آلة الكمان كان في بداية الأمر أمرا مجبرا عليه ومدفوعا إليه دفعا،:"أنا من وأنا صغير اتربيت على الموسيقى كنت بسمع محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ورياض السنباطي والقصبجي"، ربما كان تعلقه بموسيقى القصبجي سببا في تعلمه العزف على آلة العود من خلال الدراسة في معهد الموسيقى العربية، ولكن بعد التخرج في بداية السبعينيات كانت الفرقة التي التحق بها ترغب في عدد من الشباب من عازفي الكمان ، فكان العود حينها ليس مطلوبا بالقدر الكبير، "درست تاني في قسم الدراسات الحرة الكمان وحسيت إنها صعبة وتقيلة، لكن بعد كده حبيتها واتعلقت بيها".
لم يكن أحد من أفراد أسرة عبدالمنعم يهتم بالموسيقى أو يمتهن مهنة ترتبط بها سواء العزف أو الغناء وحده عبدالمنعم هو من تعلق بها وأسرته أنغام العود، ولكن بسبب سوق العمل الذي لم يطلب حينها العود، وبعد أن تعلم العزف على الكمان لثلاث سنوات، نزل للعمل في العديد من الفرق منها فرقة الفنان عبدالعزيز محمود ومحمد رشدي وليلى نظمي وماهر العطار وغيرهم من عمالقة الغناء المصري، "كنت أول ما اشتغلت بعزف مع الفرقة في مكان أو قهوة اسمها المتروبول، وقبلها اشتغلت في فرقة والد الفنان الراحل عزت أبو عوف اسمه شفيق أبو عوف، كنت بشتغل معه ومع فرقته وأنا لسه في المعهد، ولما قررت الفرقة تسافر برة معرفتش بسبب ظروف الدراسة ، ومن وقتها اتنقلت للفرق اللي عزفت في المتروبول"، القدر لم يمهله الكثير ليظل مع فرقة أبو عوف الأب التي أسسها أحمد شفيق أبو عوف الذي ترأس معهد الموسيقى العربية في نهاية السبعينيات.
مرت السنوات وظل عبدالمنعم لصيقا بآلته تتبدل الأحوال وتندثر الفرق بوفاة هذا الفنان أو ذاك، ويبقى الحال على ماهو عليه، حتى انتقل عبدالمنعم للعمل في فرقة الغوري الموسيقية منذ خمس سنوات، بعد أن قضى معظم سنوات عمره رحالة بين قصور الثقافة المختلفة "أنا اشتغلت في كل قصور الثقافة في مصر، وكنت بتنقل كل شوية من مكان لمكان لحد ما استقريت في فرقة الغوري دي من خمس سنين ومديرها محترم ويقدرنا كثيرا"، أول ما تلاحظه في تلك الفرقة والتي تنظم حفلاتها في بيت السحيمي أو بيت السناري وغيرهما أنهم ينتمون إلى مرحلة عمرية واحدة بين نهاية الخمسين وبداية السبعين "أصبح الاهتمام بالشباب اكتر من الكبار خاصة في الفرق التابعة للأوبرا عشان كده معظمنا هنا في فرقة الغوري كبار أصل ليه أحرم عازف من مهنته ، لمجرد أن سنه كبر شوية طالما بيقدر يعزف وشفنا في فرقة أم كلثوم كان فيه الشاب والكبير وأعمار مختلفة!".
ربما لم يجد السبعيني عبدالمنعم إمام أمامه بعد أن طرق عدة أبواب غير تلك الفرقة، ففي كل حفل وقبل أن يصعد برفقتهم إلى المسرح وينتظرهم الجمهور يدرب آلته على اللحن .
وجهه البشوش وملامحه الهادئة ويده التي تربت على الآلة جميعهم ينتظر لحظة البدء والانطلاق التي يعلن عنها مايسترو الفرقة، فيهيم في عالمه الصغير الذي يأبى أن يخرج منه مهما كانت المغريات ومهما بلغ من الكبر فيكفيه تصفيق الجمهور وتكفيه كلمة"الله الله!" التي تعقب تقديم هذه المعزوفة أو تلك.