خزان من الأمراض المعدية المستجدة.. قصة المختبر الأمريكي للأبحاث البيولوجية في إندونيسيا
وصف سفير الولايات المتحدة الأمريكية السابق في جاكرتا، كاميرون هيوم، أندونيسيا بأنها خزان من الأمراض المعدية المستجدة، وذلك بسبب الأبحاث البيولوجية لبلاده داخلها، فيما كافح بعض أبنائها ضد العبث الأمريكي في مختبر بيولوجي هو الأخطر على الإطلاق "نامرو 2".
فبعد أن أطلقت روسيا تحقيقًا في الأبحاث البيولوجية التي أجرتها الولايات المتحدة في أوكرانيا، أثيرت شكوك مماثلة في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك إندونيسيا، التي أغلقت سلطاتها "رسميا" أخطر المختبرات الأمريكية البيولوجية وهو "نامرو 2".. حسبما ذكرت وكالة "سبوتنيك" الروسية.
لكن السؤال: هل حقا انتهى العبث الأمريكي البيولوجي في إندونيسيا بإغلاق نامرو 2 "رسميا"؟ أم أن أبوابا أخرى غير رسمية ما زالت مفتوحة بعيدا عن أعين السلطات؟ ولماذا يثار الموضوع مرة أخرى الآن، بعد مرور كل هذا الوقت على إغلاق نامرو 2؟
البداية كانت، في أبريل الماضي، عندما نشرت وسائل الإعلام الإندونيسية قصة عن عملية أمريكية سرية لجمع عينات من الدم البشري وكلاب مسعورة خلال تمرين شراكة المحيط الهادئ لعام 2016 في مدينة بادانج الساحلية غرب سومطرة.
عملية جراحية لمرضى محليين
وتشير الوثائق التي حصل عليها الصحفيون إلى أن الجراحين البحريين الأمريكيين أجروا عملية جراحية لمرضى محليين على متن سفينة المستشفى USNS Mercy ونقلوا ثلاثة كلاب مسعورة من غرب سومطرة - كل ذلك دون إذن من وزارة الصحة الإندونيسية.
كما أخبر مسؤولو الصحة في بادانج ديتيك أن الأمريكيين أرادوا جمع عينات من فيروس حمى الضنك من البعوض المحلي.
وأعادت القصة ذكرى نامرو 2، وهو مختبر حيوي للبحرية الأمريكية كانت تديره الولايات المتحدة في حي مزدحم في العاصمة جاكرتا من عام 1970 إلى عام 2009 عندما تم حظره من قبل وزارة الصحة لكونه "تهديدًا لسيادة إندونيسيا".
وتم إنشاء نامرو 2 وسط تفشي الطاعون الدبلي في إندونيسيا وعالج مجموعة واسعة من مسببات الأمراض، من فيروس نقص المناعة البشرية إلى تلك المسببة للملاريا والسل وحمى الضنك.
لكن ستي فضيلة سوباري، طبيبة القلب التي كانت وزيرًا للصحة من 2004 إلى 2009، أخبرت "سبوتنيك" أن مساعدة الولايات المتحدة في التغلب على الأمراض كانت ضئيلة.
الملاريا والسل
وقالت: "على الرغم من أنهم ركزوا على الملاريا والسل، فإن النتائج على مدى 40 عامًا في إندونيسيا، لم تكن مهمة"، مضيفة أن الاتفاقية الأمريكية الإندونيسية الخاصة بالمختبر انتهت في عام 1980.
وبحسب تأكيد سوباري، فلم يكن الأداء الضعيف للمختبر فقط هو ما جعلها تشعر بالقلق حيال المنشأة، ففي ذلك الوقت، كانت الوزيرة السابقة قلقًة أيضًا بشأن عدم وجود مشاركة متساوية للموظفين الإندونيسيين في المشروع، والأهم من ذلك احتمال قيام الدبلوماسيين الأمريكيين بتهريب عينات معدية من إندونيسيا إلى الولايات المتحدة لاستخدامها في الأبحاث العسكرية.
وكتبت سوباري في كتابها الأكثر مبيعًا: "حان وقت تغيير العالم"، أنه في أعقاب تفشي إنفلونزا الطيور (H5N1) اعترضت على الممارسة الإلزامية لمشاركة عينات الفيروس المحلية مع السلطات المرتبطة بمنظمة الصحة العالمية، والتي لم تكن شفافًة ولا عادلًة.
متعاون مع الصحة العالمية
ولكونه مركزًا متعاونًا مع منظمة الصحة العالمية، قام نامرو 2 بتشخيص مجموعة من حالات H5N1 في إندونيسيا في عام 2006، وطلبت الحكومة الإندونيسية من الأمريكيين عدم تسليم العينات لأي شخص باستثناء المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض (CDC) التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
لكن العديد من المنشورات أظهرت أن مركز السيطرة على الأمراض شارك العينات مع قاعدة بيانات تسلسلية في مختبر لوس ألاموس الوطني، المعروف بتصميم أول قنبلة نووية في العالم، مما أثار غضب الإندونيسيين ومخاوفهم كذلك من إمكانية تحويل المرض المعدي إلى سلاح.
كوزيرة، قامت سوباري بزيارة مفاجئة إلى نامرو 2 في عام 2008، وتحدثت إلى الصحافة حول افتقار المختبر للشفافية وحقيقة أنه لم يشارك نتائج عمله مع الحكومة الإندونيسية.
في سياق متصل، فإن أحد الصحفيين الإندونيسيين ويدعى "هنري"، والذي يعمل في وسيلة إعلامية إندونيسية رئيسية، أكد لـ "سبوتنيك" أنه في الوقت الذي كانت فيه هذه القصة تتصدر عناوين الصحف في جميع أنحاء البلاد، كاد مختبر نامرو 2 أن يحترق.
وقال هنري إنه ذهب لتغطية الحريق، ورأى رجلين يبدو أنهما أجنبيان في وسط الفوضى يمنعان الصحفيين من دخول المجمع.
ويقول: "بدأ الأمر كما لو أن الحريق كان في الجزء الإداري من نامرو، حيث يتم الاحتفاظ بجميع المستندات، لم أعر اهتمامًا كبيرًا لهذه الحقيقة في ذلك الوقت، ولكن بعد فوات الأوان قد يبدو الأمر كما لو أن شخصًا ما أراد إخفاء شيء ما".
كما تسبب تدقيق إندونيسيا -خاصة الوزيرة سوباري- في نامرو 2 في إزعاج واشنطن، فقد كشف تسريب آلاف البرقيات الدبلوماسية الأمريكية بواسطة موقع ويكيليكس لجوليان أسانج في عام 2010 أن السفارة الأمريكية في جاكرتا أرسلت مئات التحديثات حول نامرو 2 وجهودها للحفاظ على سمعتها.