رئيس التحرير
عصام كامل

الهند على صفيح ساخن.. أزمة الهوية والتاريخ بين الهندوس والمسلمين

الهند وصراع الهوية
الهند وصراع الهوية

يمثل جدل الهوية والتاريخ بين الهندوس المسلمين في نيودلهي صراعًا محتدمًا لا يهدأ حتى يندلع من جديد مؤرقًا الهند بالكامل على الرغم من أن لإسلام هو ثاني أكبر ديانة في الهند، ويعتنقه حوالي 14.9% من السكان بواقع ما يقرب من حوالي 200 مليون نسمة.

 

الهند 

وفي ذلك الصدد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تقريرًا عن المسجد دخل معركة الهوية الدينية في الهند، بعد تهديد سلوكيات الهندوس وآراؤهم المتطرفة بإشعال موجة عنف واسعة النطاق في البلاد.

 

وقالت في تقرير نشرته اليوم الأربعاء، على موقعها الإلكتروني: «بعد ظهر يوم الجمعة الماضي، وخارج البوابة الصخرية لمسجد (جيانفابي)، فإن الطريق المؤدي إليه شهد وجود العشرات من رجال الشرطة، بعضهم مسلحون بقنابل الغاز المسيل للدموع، وكانت هناك أيضًا تغطية إعلامية واسعة، من خلال كاميرات التلفزيون، وميكروفونات المراسلين الصحفيين».

 

وأضاف التقرير إن «المسجد الذي يعود إلى القرن السابع عشر، في مدينة فاراناسي القديمة (بيناريس أو كاشي سابقًا) في ولاية أوتار براديش شمال البلاد، وهي أقدس المدن الهندوسية، ظهر بوصفه أحدث نقطة مشتعلة بين القوميين الهنود والأقلية المسلمة، فبعد مزاعم عبر استقصاء أجرته محكمة بوجود بقايا إله هندوسي في منطقة المسجد، فإن المحكمة صادرت الأرض المبني عليها، وتم حظر التجمعات الكبيرة للمصلين».

 

ووفقًا لوكالة فرانس برس، يركز أنصار الهندوتفا (التفوق الهندوسي) حاليا على مسجد جيانفابي حيث أجريت في الأسبوع الماضي حفريات بأمر محكمة في موقع المسجد كشفت عن «شيفا لينجا»، وهو تمثال لكائن يعد «رمزًا» للإله شيفا. بحسب المعتقد الهندوسي.

 

وقال الوزير كوشال كيشور من حزب «بهاراتيا جاناتا» القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إن «ذلك يعني أنه موقع معبد» معتبرا أنه يجب أن تتاح للهندوس الصلاة فيه.

 

وبات يمنع على المسلمين ممارسة طقوس الوضوء المعتادة في المكان الذي عثر فيه على التمثال الهندوسي المزعوم.

 

سيناريو التسعينيات الدامي 

ويخشى المسلمون أن يشهد المسجد ما آل إليه مسجد بابري في أيوديا في أوتار براديش الذي شُيِّد في القرن السادس عشر، فبعد تدمير المسجد عام 1992، اندلعت أعمال عنف طائفية من بين الأسوأ في تاريخ الهند منذ استقلالها، قضى خلالها أكثر من ألفي شخص معظمهم من المسلمين.

 

وهزت تلك الأحداث الأسس العلمانية للبلاد وفرضت القومية الهندوسية قوة سياسية مهيمنة، ما مهد لانتخاب مودي عام 2014 لقيادة البلاد التي يعتنق 200 مليون من مواطنيها الإسلام.

 

ومنذ ثمانينات القرن الفائت، دعم حزب «بهاراتيا جاناتا» بحماسة كبيرة بناء معبد مخصص للإله راما (الصورة الرمزية لفيشنو) في موقع المسجد نفسه، وقد وضع مودي حجر أساسه عام 2020.

 

مساجد ومعابد

وقال تقرير واشنطن بوست إنه «على مدار عقود، زعم القوميون الهنود بأن عددًا من أبرز المساجد في الهند كانت في الأصل معابد هندية، أو مناطق مقدسة، قامت الإمبراطورية المسلمة بتغيير وضعها منذ مئات السنين. هذه المطالبات، التي يراها المسلمون على أنها محاولة لمحو تاريخهم من البلاد، لاقت اهتماما من جانب حكومة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي».

 

ونقلت الصحيفة عن عتيق أنصاري، رجل الأعمال البالغ من العمر 66 عامًا، والذي يصلي في مسجد جيانفابي منذ عقود، قوله: «هذه مكيدة سياسية، جمال هذه الدولة الذي يتمثل في التنوع يتعرض للتشويه الآن».

 

ورأت «واشنطن بوست» أن الجهود التي تستهدف استعادة السيطرة على أماكن الصلاة الخاصة بالمسلمين ليس فقط بسبب رفع دعاوى قضائية ضد ما حدث في الماضي، بحسب خبراء، ولكن الهدف الأساسي، كما تقول «أودري تروشكي»، أستاذة تاريخ جنوب آسيا في «جامعة روتجرز» الأمريكية، يتمثل في تجسيد رؤية القوميين الهنود، التي تقوم على أنه لا يوجد مكان للمسلمين في مستقبل الهند إلا إذا كانوا مواطنين مضطهدين من الدرجة الثانية، ويتم منعهم من الحصول على حقوقهم.

 

وأشارت إلى أن «الزخم القانوني الجديد حول قضية مسجد جيانفابي أدى إلى مخاوف من اشتعال عنف في الشارع، مثل ما حدث قبل 30 عاما في البلاد، بعد أن قامت عصابات هندوسية بهدم مسجد يعود إلى القرن السادس عشر في مدينة (أيوديا)».

 

وأوضحت أن الحركة التي كانت تقف وراء أحداث هذا المسجد هي التي رفعت حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي ينتمي إليه مودي، إلى الساحة السياسية الوطنية في التسعينيات، الآن يتم بناء معبد كبير على الأرض المتنازع عليها، حيث يعتقد الهندوس أنه مكان ميلاد الإله رام.

 

رؤية التاريخ

وقالت «تانيكا ساركار»، المؤرخة التي تلقت التعليم في جامعة «جواهرلال نهرو» في العاصمة نيودلهي، إن رؤية القوميين الهنود للتاريخ منحازة بشدة، ومدفوعة بشكل كامل بالرغبة في غرس الهوية العمياء، والكراهية للآخرين، وأشارت إلى أنها تخشى أن تؤدي القضية الأخيرة إلى كم هائل من العنف ضد المسلمين.

 

وتقرير «واشنطن بوست» أضاف بالقول: «خلال الشهور الأخيرة، قامت مجموعة من الهندوس، وعادة ما يحملون السيوف، بتنظيم مسيرات خارج المساجد، والهتاف بشعارات مناهضة للإسلام، وعادة ما تسبب ذلك في وقوع اشتباكات.

 

واستهدفت السلطات في الولايات التي يحكمها حزب «بهاراتيا جاناتا» الزواج بين الأديان، وحظرت الحجاب في الفصول الدراسية، وتقوم بعمليات هدم لمنازل المسلمين دون سند قضائي».
وتعود المصادمات بين المسلمين والهندوس إلى جذور تاريخية قديمة ارتبطت بدخول الإسلام إلى شبه القارة الهندية؛ فلقد سيطر المسلمون على معظم اجزاء المنطقة ودخل الهندوس في الإسلام أفواجًا أفواجًا حتى شكّلوا أقلية مسلمة كبيرة ضمت حوالي ثلث سكان شبه القارة الهندية قبيل استقلال المنطقة عن بريطانيا.

 

اعتناق الهندوس للإسلام 

ولا شك في أن اعتناق ملايين الهندوس للإسلام أثناء فترة حكم المسلمين لشبه القارة الهندية قد ترك شعورًا بالمرارة وخيبة الأمل لدى كثيرين من الهندوس بسبب التحدي الكبير الذي واجههم من الإسلام.

 

وعلى الرغم من الجهود التبشيرية الكبيرة التي قامت بها الكنيسة الأوروبية مدعومة من الاستعمار البريطاني إلا أنها لم تحقق نجاحًا كبيرًا في نشر المسيحية في الهند حيث بقي المسيحيون في الهند أقلية صغيرة جدًا مقارنة بالمسلمين.

 

وكذلك الأمر بالنسبة للطائفة السيخية التي انشقت عن الهندوسية وشكّلت ديانة خاصة جمعت بها بين بعض الأسس الهندوسية والتعاليم الجديدة التي أخذت بعضها من الإسلام، فهذه الطائفة ما زالت محدودة جدًا في الهند وذلك بالرغم من اعتقاد مؤسسيها بأن أعدادًا كبيرة من الهندوس سوف يؤمنون بها عوضًا عن اعتناقهم للإسلام. 

 

وينبغي التوضيح بأن الأقلية السيخية وعلى الرغم من قلة أتباعها مقارنة بالهندوسية والإسلام في الهند إلا أن تاريخها مليء بالصراع الدموي مع كلا الطائفتين وخاصة مع الأغلبية الهندوسية؛ ومن ذلك مثلًا قيام متطرف سيخي باغتيال زعيم الهند الكبير غاندي.

 

وما عزز حالة الاحتقان بين المسلمين والهندوس نزاع الهند وباكستان حول كشمير والذي ادى إلى زيادة حدة الصدام الإسلامي ـ الهندوسي في شبه القارة الهندية، وتبلور هذا الصدام خلال السنوات العشر الماضية حول مسألتي كشمير وتدمير مسجد بابري الذي يسعى المتطرفون الهندوس إلى إعادة بناء معبد خاص بهم مكانه كان المسلمون قد دمّروه ـ حسب الرواية الهندية ـ عندما كانوا يسيطرون على الهند في السابق وأقاموا مكانه مسجد بابري المعني بالمصادمات الحالية. 

التعايش السلمي 

وهناك ملايين الهندوس والمسلمين الذين يدعون إلى التعايش السلمي بين الطرفين؛ خاصة بعد انفراجة في العلاقة بين الهند وباكستان، ولكن يبدو أن المتطرفين يحاولون الآن القيام ببعض أعمال العنف التي تهدف إلى إشعال لهيب مصادمات واسعة بين الطرفين. 

الجريدة الرسمية