دار الإفتاء توضح الطريقة الصحيحة شرعًا في كيفية دفن الميت
ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه" الطريقة الصحيحة شرعًا في كيفية الدفن"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
المأثور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في كيفية دَفن الميت: أن يُوَجَّه وجهُه إلى القِبلة، هذا ما عليه عملُ المسلمين سلفًا وخلفًا.
وكيفية التوجيه للقبلة: أن يُوضَع الميتُ على جنبه بحيث يكون وجهُه وصدرُه وبطنُه إلى القبلة، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن وُضِعَ على جنبه الأيسر جاز ذلك.
ونُقِل عن الإمام مالك رحمه الله تعالى أنَّه إن تعذّر ذلك وُضِع على ظهره ورجلاه للقبلة، مستقبلًا إياها بوجهه.
والذي عليه الجمهور أنَّ توجيه الميت للقبلة واجب، فيَحرُم عندهم تَوجيهُ الميت لغير القِبلة؛ كأن تُوضَع رجلُه للقبلة كما هو حاصلٌ مِن بعض مَن يدفن في هذا الزمان.
الطريقة الشرعية للدفن
ومن أدلة ذلك: ما رواه عُبَيد بن عُمَير بن قتادة الليثي، عن أبيه عُمَير بن قتادة رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْكَبَائِرُ تِسْعٌ» وعدَّ منها: «وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتِكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا» أخرجه أبو داود والنسائي، والحاكم وصححه.
وعند المالكية وبعض الحنفية: أنَّ توجيه الميت إلى القبلة مطلوب شرعًا على جهة السُّنِّيّة والاستحباب، لا على جهة الحتم والإيجاب، وهو قول أبي الطيب من الشافعية، وقولٌ عند الحنابلة.
قال العلامة الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (2/ 235-236، ط. دار الفكر): [ويُوجَّه إليها وجوبًا، وينبغي كونُه على شقه الأيمن] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (2/ 236): [(قوله: وجوبًا) أخَذه مِن قول "الهداية": بذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن لم يجده المخرجون. وفي "الفتح" أنه غريب، واستؤنس له بحديث أبي داود والنسائي: "أن رجلًا قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: «هي تسع»، فذكر منها: استحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا". اهـ.
قلت: ووجهه أنَّ ظاهره التسوية بين الحياة والموت في وجوب استقباله، لكن صرح في "التحفة" بأنه سنة كما يأتي عقبه. قوله: (ولا يُنبَشُ ليُوَجَّه إليها)؛ أي: لو دُفِنَ مستدبرًا لها وأهالوا التراب لا يُنبَش؛ لأنَّ التوجه إلى القبلة سنة والنبش حرام، بخلاف ما إذا كان بعد إقامة اللَّبِن قبل إهالة التراب، فإنه يزال ويوجه إلى القبلة عن يمينه، "حلية" عن "التحفة"] اهـ.
ماهي الطريقة الشرعية للدفن
وقال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي في "النوادر والزيادات" (1/ 541، ط. دار الغرب الإسلامي): [ومن "الواضحة": قال مالك: لا أحب ترك توجيه الميت إلى القبلة إن استُطيعَ ذلك، ومن "المجموعة": ابن القاسم عن مالك في التوجيه، قال: ما علمته من القديم. وقال هو ابن وهب عنه: وينبغي أن يُوجه إلى القبلة على شقه الأيمن، فإن لم يقدر فعلى ظهره ورجلاه في القبلة. ونحوه في "الموطأ" وفي "المختصر"، وقاله ابن وهب، في "العتبية": قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَرَوَى التوجيه عن علي بن أبي طالب وجماعة من السلف، فإن لم يقدر على ذلك لشدة نزلت به، أو لغير ذلك، أو لنسيان، أو شغل، فلا حرج] اهـ.
وقال القاضي عبد الوهاب المالكي في "التلقين" (1/ 57، ط. دار الكتب العلمية): [ويُجعَلُ الميتُ على جنبه الأيمن مستقبلَ القبلة، فإن تعذَّر ذلك جُعِلَتْ رجلاه في القبلة واستقبلها بوجهه] اهـ.
وقال الإمام الحافظ ابن عبد البر المالكي في "الكافي" (1/ 283، ط. مكتبة الرياض الحديثة): [ويُجعل الميت في قبره على جنبه الأيمن مستقبل القبلة، فإن لم يمكن جُعِل على ظهره مستقبلًا القبلة] اهـ.
وقال العلامة الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 500-501، ط. دار الفكر): [(و) نُدِبَ (ضَجْعٌ) بفتح الضاد المعجمة وسكون الجيم؛ أي: إرقادٌ للميت (فيه) أي: القبر، لحدًا كان أو شقًّا (على) جنبٍ (أيمنَ) حال كونه (مُقَبَّلًا) بضم الميم وفتح القاف والباء: مثقلًا؛ أي: مجعولًا وجهُه للقبلة.. (وتُدُورك) بضم المثناة والدال المهملة؛ أي: أُدرِك الميتُ ندبًا (إن خُولِف) في دفنه ما تقدم؛ بأن جُعِلَ ظهرُه للقبلة، أو جُعِلَ وجهُه للمشرق، أو المغرب، أو جُعِلَ على أيسره، أو ظهره، أو بطنه. وصلةُ "تدورك" (بالحضرة) للدفن؛ بأن يُسوَّى الترابُ عليه، ومثَّل للمخالفة بقوله: (كتنكيس رجليه)؛ أي: جعلهما موضع رأسه؛ بأن دُفِنَ على يساره، وأدخل بالكاف باقي الصور المتقدمة] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (5/ 293، ط. دار الفكر): [يجب وضع الميت في القبر مستقبل القبلة، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور.. وقال القاضي أبو الطيب في كتابه "المجرد": استقبال القبلة به مستحب ليس بواجب، والصحيح الأول. واتفقوا على أنه يستحب أن يُضجَع على جنبه الأيمن، فلو أُضجِعَ على جنبه الأيسر مستقبلَ القبلة جاز، وكان خلاف الأفضل] اهـ.
وقال الإمام النووي أيضًا في "روضة الطالبين" (2/ 134-135، ط. المكتب الإسلامي): [إذا وُضع في اللحد أُضجِع على جنبه الأيمن مستقبلَ القبلة، بحيث لا يَنكَبُّ ولا يستلقي، بأن يُدنَى من جدار اللحد، ويُسنَدَ ظهرُه بلَبِنَةٍ ونحوها، ووضعُه مستقبلَ القبلة واجبٌ، كذا قطع به الجمهور، قالوا: فلو دُفِنَ مستدبِرًا أو مستلقيًا نُبِشَ ووُجِّهَ إلى القبلة ما لم يتغير، فإن تغير لم يُنبَش. وقال القاضي أبو الطيب في كتابه "المجرد": التوجيه إلى القبلة سنة، فلو تُرِك استُحِبَّ أن يُنبَش ويُوَجَّهَ، ولا يجبُ. وأما الإضجاع على اليمين فليس بواجب، فلو وُضع على اليسار مستقبلَ القبلة كُرِهَ ولم يُنبَشْ] اهـ.
وقال العلامة المرداوي الحنبلي في كتابه "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" (2/ 546-547، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: (ويضعه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة)، وضعُه على جنبه الأيمن مستحب بلا نزاع، وكونُه مستقبل القبلة واجب على الصحيح من المذهب، اختاره القاضي وأصحابه، والمصنف وغيرهم، وقطع به الآمدي، والشريف أبو جعفر، والقاضي أبو الحسين، وغيرهم، وقدمه في "الفروع"، وقال صاحب "الخلاصة" و"المحرر": يستحب ذلك، وقدمه ابن تميم، فعلى المذهب: لو وُضِع غيرَ مستقبلِ القبلة نُبِشَ على الصحيح من المذهب، قال ابن عقيل: قال أصحابنا: يُنبَشُ إلا أن يُخاف أن يَتَفَسَّخ، وعلى القول الثاني: لا يُنْبَش على الصحيح من المذهب، قاله في "النكت"] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "دقائق أولي النهى" (1/ 373، ط. عالم الكتب): [(ويجب أن يستقبل به)؛ أي: الميت (القبلة)؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الكعبة: «قِبْلتكُم أَحْيَاءً وأَمْواتًا».
طريقة النبي في دفن الميت
وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فالطريقة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الدفن والتي تواترت عند المسلمين بنقل الخلف عن السلف، هي توجيه الميت للقبلة بحيث يكون وجهُه وصدرُه وبطنُه للقبلة، وأكثرُ العلماء على أنَّ توجيهَ الميت للقبلة واجبٌ شرعيٌّ عند القدرة، والمستحب أن يكون على جنبه الأيمن، فإن وُضِع على الأيسر جاز، وما قاله لكم المعترضون عليكم من أنَّ الصواب أن يوضع الميت رأسُه بحري -شمالًا- وقدماه قبلي -جنوبًا-، ليس هو السنة، وإن كان ما قالوه جائزًا كما سبق.
وما كنتم تفعلونه من توجيه رجلي الميت إلى القبلة ليس هو السنة النبوية المأثورة، ولكن لا يلزمكم نبش قبور موتاكم التي دفنتموهم لتغيير ذلك؛ تقليدًا لقول من لم يوجب ذلك من العلماء، وقد نصَّ المالكية على أنَّ ما فعلتموه مجزئٌ عند تعذر توجيه الوجه والصدر والبطن للقبلة، أو عند النسيان، ويمكن أن يلحق بذلك الجهلُ بالحكم أيضًا، مع التنبيه على أنَّ الأصل عندهم وعند علماء المسلمين سلفًا وخلفًا أنَّ التوجيه للقبلة إنما يكون بالوجه والصدر كما سبق.