عقدة «الاختيار» تمزق الإخوان من الداخل.. هجوم شرس من الإسلاميين.. والصف الثاني يسخر من تناقضات الجماعة
على مدار شهر كامل –رمضان- كانت جماعة الإخوان الإرهابية على موعد مع مكاشفة تاريخية سواء مع التيار الإسلامى أو الشعب المصرى، إذ لا زالت تداعيات مسلسل الاختيار فى نسخته الأخيرة تلقى بظلالها وتثير القلق الشديد داخل الجماعة التى لم تجد سبيلا للتنفيس عن أزمتها إلا بالهجوم الشرس والمحاولات المستميتة سواء للدفاع عن مواقفهم القديمة أو السعى لتبرئة أفكارهم من العنف أو مغازلة إسرائيل كما جاء على لسان خيرت الشاطر فى تسريبات المسلسل.
لكن كل مساعى الإخوان «للغلوشة» على المسلسل صبت دون إرادة منهم فى إعطاء زخم جديد له وطرح المزيد من الأسئلة فى دوائر عدة وعلى مستوى الشارع المصرى ووسائل التواصل عن كيف تابع قادة الإسلاميين فى السجون مسلسل الاختيار، وما هو رد فعلهم تجاه بعضهم بعد أن أظهرت التسريبات وشايات متبادلة وعدم ثقة وتخوين بعكس ما كانوا يظهرونه على الشاشات وفى اعتصامات رابعة والنهضة من لحمة وتضامن ودعم مطلق.
رد فعل الإخوان
أى حديث عن رد الفعل الحقيقى لدى الإخوان داخل السجون لن يكون موضوعيا، إذ يتطلب معايشة خاصة أو نقلا عن أحد المصادر الأمنية، ولا بيئة السجن تتيح ذلك، ولا ظروف الحبس من شأنها إطلاع الخارج على أحوال المساجين إلا فى سياقات رسمية للغاية، لا سيما فى مثل هذه القضايا، لكن الأقرب إلى قياس رد فعل الإسلاميين على المسلسل وتسريباته رد فعل المنتمين إلى نفس الأفكار بالخارج.
البداية جاءت فى صورة طلقات متتالية صوبها تجاه الإخوان عاصم عبد الماجد، القيادى التاريخى للجماعة الإسلامية، وأحد ألد أعداء التنظيم، الذى اعتبر ما جاءت به التسريبات توضيحا لعنصرية الإخوان ضد نظرائهم فى التيارات الدينية.
وقال عبد الماجد نصًّا: العنصرية داء خطير دمر الحركة الإسلامية، وأصابهم بالعمى فى القلب والغشاوة على العين والصمم فى الأذن، مؤكدا أن عنصريتهم حالة ميئوس منها، لافتا إلى أن أشد أنواع العنصرية تلك التى تقدم كانت مخلوطة بالدين، والمبتدع -يقصد الإخوان- لا يتصور أنه على باطل قط لذا لا يتوب أبدا.
استكمل القيادى المسئول ضمن آخرين عن شحن منصة رابعة وتحريضها على العنف بعد عزل مرسى عن الحكم فى 2013: بعض التسريبات يستوجب المحاسبة لأنه مخالف لبديهياتنا الشرعية، وإن كان محرم عن الجماعة نقد القيادة وأن أخطأت.
وأكد عاصم أن الإخوان ترفض حتى الآن تدوين شهادتها على الأحداث خوفا من إدانتها بالأخطاء التى وقع فيها قيادتها الكبار، ولهذا حاربوا كل من حاول تسجيل ما رآه وعاصره، مضيفا: سينتصر الاختيار لأنه الرواية الوحيدة التى قدمت للشعب حتى الآن.
أزمة كبرى داخل الإسلاميين
ما يقوله عبد الماجد يعبر عن تضخم الأزمة داخل صفوف التيارات الإسلامية، إذ قدم المسلسل وقائع محددة لم يستطع الإخوان تفنيدها والرد عليها بما يبرئ ذمتهم أمام الشعب، بل لجأوا كالعادة إلى أسلوب المظلومية والشتائم وتعاملوا مثل الأطفال عندما يغضبون بالبحث فى ملفات أبطال العمل وحساباتهم على مواقع التواصل لمعرفة آرائهم فى الجماعة.
وعلى الفور انتزعوا بعض الآراء من سياقها بشكل غير أمين بالمرة لإظهاره الفنانين كانتهازيين ولا بطولة لهم، وكأنهم الأبطال الفعليين لأزمة الإخوان والمجتمع بأكمله، وليسوا ممثلين يلعبون أدوارا مكتوبة على الورق.
رعب الإخوان من «الاختيار»
بحسب مصادر داخل الجماعة، يتخوف الإخوان من تأثير المسلسل على الصراع مع الدولة، لاسيما أن الأحداث التى يرصدها تجعل من الرئيس السيسى بطلا خياليا لعقود قادمة، بفعل المواقف الصارمة التى جمعته بالشخصيات الرئيسية للجماعة فى أشد الفترات صعوبة بالتاريخ المصرى، إذ يمزج المسلسل بين اللقطات الأرشيفية الحقيقية إلى ظهر فيها الرئيس والدراما.
وتؤكد المصادر أن الجماعة فشلت خلال ردودها على المسلسل فى إظهار الرئيس بمنطق الرجل الذى يريد الحكم بأى طريقة، بل أكدت المواقف الأرشيفية التى عايشها المجتمع منذ وقت قريب، ما يدعم الصورة الذهنية عن الرئيس باعتباره قائدا حكيما وطنيا تصرف فى لحظة تاريخية من منطلق الحرص الشديد على وطنه وجنوده أمام إخطار لا تصدق.
وتوضح المصادر أن الجماعة طوال شهر رمضان الماضى حاولت قلب الطاولة بالإشادة بمواسم الاختيار الأولى خلال شهر رمضان 2020 و2021 فى مكايدة ساذجة تكشف هشاشة عقل من يديرون التنظيم ويتخذون قراراته، فالنسخ الأولى للمسلسل ربطت بين الإخوان بالمواقف الأرشيفية وموجة الإرهاب التى ضربت البلاد والتى فشلوا أيضًا فى تبريرها خلال تقديم النسخ الأولى، ولم يقدوا روايتهم الأخرى ضدها بل لجأوا إلى الشتائم والمكايدات.
تستغرب المصادر استشهاد الإخوان الآن فى تناقض عجيب بالأرقام القياسية لمشاهدة النسخ الأولى من المسلسل مقارنة بالنسخة الحالية، لأن الرئيس ومواقفه معهم ممثلة فيها، وهى الطريقة التى أثارت الجدل داخل صفوف الجماعة بسبب عدم الوعى والسطحية الشديدة التى تجعلهم يلجأون لتمجيد الجيش وبطولاته والاعتراف بحقيقة الأحداث التى وقعت وتفاعل معها المصريون، وينكرون النسخة الحالية التى تقدم أيضًا رجال الجيش وفى المقدمة منهم قائده، وكأن جيش النسخ الأولى غير جيش النسخة الأخيرة.
انتهازية الجماعة.. لا جديد
عماد عبد الحافظ، القيادى الشاب السابق بالجماعة والذى حضر الإخوان بعض الوقت فى السجن، وخرج منه ليعلن انفصاله، بل معارضته الشديدة لاستمرارها، يرى أن ما تفعله الإخوان فى الرد على المسلسل هو التدليس بعينه الذى يقوم به الإسلاميون دائما.
أضاف: يحاولون ترسيخ سرديتهم الرئيسية عن حرب الدولة على الدين، لأنها جماعة تحترف المزايدات دائما؛ إذا كانت مصلحتها فى شيء تحشد كل أدواتها لتثبت أنه الحق، وتزايد على من لا يفعل مثلها، فإذا كانت مصلحتها فى الهجوم على إسرائيل والتحريض ضد نظام ما حاكم؛ تتحدث عن الجهاد وضرورة فتح الحدود وتنتقد أي صورة للتعامل مع إسرائيل وتهاجم كل تصرف للنظام يتعلق بهذا سواء النظام الحالى أو الأنظمة السابقة.
وتابع: لكن إذا كانت مصلحتها فى التطبيع مع إسرائيل والتهدئة معها؛ تقوم بكل الوسائل المساعدة على ذلك -كما ظهر فى المسلسل- وإذا كانت مصلحتها فى التقارب من النظام فعلت ذلك وبررته وهاجمت أي مخالف لها، وإذا كانت مصلحتها فى معاداة نظام حشدت كل طاقاتها لمحاربته وزايدت على كل من لا يتخذ نفس موقفها.
استكمل: قس على هذا كل شيء، براجماتية شديدة لا تحكمها مبادئ، بل يحكمها مصلحة الجماعة فقط، وإذا بحثت فى تاريخها كله لن تجد سوى هذا، مختتما: نموذج سيئ ومقزز، وجماعة متلونة وتربحت كثيرا بتلونها.
نقلًا عن العدد الورقي…،