رئيس التحرير
عصام كامل

أسرار صراع الكبار في القطب الشمالي.. فصل جديد من التنافس المحموم بين أمريكا وروسيا والصين

بايدن وبوتين
بايدن وبوتين

تتسع دائرة المعركة الحامية بين روسيا والغرب لتتجاوز الحدود الأوكرانية وصولًا إلى القطب الشمالى الذى أصبح بؤرة صراع جديدة بين موسكو من جهة وواشنطن وعدد من الدول الأخرى من ناحية أخرى، فما القصة؟

فى البداية من المهم الإشارة إلى أن روسيا تتشارك حدودها فى القطب الشمالى مع عدد من الدول الأعضاء فى حلف الناتو، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.

 

القطب الشمالي

ومنذ عام 2013، روسيا عززت من تواجدها العسكرى فى القطب الشمالى، إذ بدأت بإعادة تأهيل المنشآت العسكرية والمطارات والموانئ التى أنشأها الاتحاد السوفييتى السابق فى مناطق سيطرته هناك، كما أنشأت موسكو أيضًا قاعدتين عسكريتين هما: قاعدة "ناجورسكوي" الجوية فى جزيرة "ألكسندرا" الواقعة شمال شرقى بحر بارنتس، والأخرى قاعدة "تيمب" الجوية فى جزيرة "كوتيلني".

 وزودتهم بأحدث أنواع الأسلحة فى الترسانة الروسية، بالإضافة إلى الأسطول الشمالى الروسى، والذى يتمركز فى القطب الشمالى، وتزوده موسكو بأحدث كاسحات الجليد، ولعل أحدثها هى الكاسحة النووية "أركتيكا"، وذلك لتعزيز قدرة أسطولها فى المنطقة.

 

مناورة أمريكية

فى المقابل، أجرت الولايات المتحدة الأمريكية مناورة بالذخيرة الحية بالاشتراك مع كندا فى القطب الشمالى، مؤكدة على أنها ستزيد من قواتها فى المنطقة خلال السنوات القليلة المنطقة.

وظهرت القيمة الاقتصادية لمنطقة القطب الشمالى فى الفترة الأخيرة، بعد ذوبان أجزاء من الجليد، مما يمهد لإنشاء ممرات تجارية جديدة، بالإضافة إلى الاكتشافات النفطية المتواجدة فى المنطقة، حيث يقدر المعهد الملكى البريطاني للشئون الدولية أن المنطقة يمكن أن تحتوى على ما يصل إلى 90 مليار برميل من النفط، وهو ما يعادل تقريبًا احتياطى دولة الإمارات من النفط.

ووفقًا لهيئة المسح الجيولوجى الأمريكية، يقع خُمس الغاز الطبيعى فى العالم دون أن يمسه أحد تحت الغطاء الجليدى فى القطب الشمالى. المنطقة غنية أيضًا بالمعادن الثمينة.

 

الصين

تجدر الإشارة إلى أن الغزو الروسى لأوكرانيا فتح الباب على مصراعيه للحديث والتكهنات بشأن الصراع مع الصين، واحتمالية الدخول فى حقبة جديدة من الصراع والتنافس بين القوى العظمى بعد حوالى 30 عامًا من الهيمنة الأمريكية أحادية القطب، وخاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستزيد وجودها فى القطب الشمالى بشكل كبير فى السنوات القليلة المقبلة.

كما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" أن النشاط المتزايد فى القطب الشمالى سيؤدى إلى توترات لها عواقب.

ووفقا لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، فإن التنافس الواقع بين روسيا وأمريكا يعد أقل وأكثر خطورة من الاتحاد السوفييتى نظرًا لأنه وبالرغم من ترسانتها النووية ومواردها الطبيعية الشاسعة تمثل روسيا تهديدًا عسكريًا أقل لواشنطن بالمقارنة مع تهديد الاتحاد السوفييتى بعد الحرب العالمية الثانية، حيث إن الغزو الروسى لأوكرانيا سمح لأمريكا بالنظر عن كثب إلى أوجه قصور موسكو عسكريا.

ومن ناحية الصين سلطت المجلة الأمريكية الضوء على أن لبكين نفسها قيمة محدودة كحليف لروسيا حيث يظل الرئيس الصينى شى جين بينج أكثر اهتمامًا بكثير بمستقبل الصين ومستقبله الشخصى من اهتمامه بمستقبل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، لذا فبكين تشاطر موسكو رغبتها فى دحر ما تراه العاصمتان جهودًا أمريكية وأوروبية لاحتوائهما، ومن غير المرجح أن يدين شى جين بينج سلوك روسيا طالما لم يتم استخدام أسلحة كيميائية أو نووية ومن غير الممكن أن تخاطر الصين بالمواجهة عبر انتهاك علنى للعقوبات الغربية أو عبر توفير دعم عسكرى مباشر لموسكو لمصلحتها ورغبتها فى الحفاظ على الاستقرار العالمى الذى يساعد على نمو اقتصادها.

من جهته، قال الدكتور جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الصراع على القطب الشمالى من الناحية الأولية ليس صراعًا أمريكيا روسيا فقط، بل هو صراع صينى أيضًا، وذلك نظرًا لموارد الجرف القارى والتى تهتم بها روسيا بشكل كبير إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والتى بدورها تعمل على إعادة هيكلة التجارة الدولية بشكل كبير فهو صراع على موارد يمكن أن نطلق عليها “الموارد البِكر”.

 

نقاط اتصال

وأوضح أن هناك نقطة اتصال كبرى بين الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا وما يجرى بالقطب الشمالى، وذلك نظرًا لسيطرة عدد كبير من الدول المهمة المتحالفة مع أمريكا عليه مثل اليابان وكندا وأيسلندا وبعض الدول الأوروبية، وكذلك روسيا كونها دولة ممتدة هدفها الأول هو استغلال أي شيء لدعم قدراتها العسكرية والحربية، وأيضا الصين التى تساند موسكو فى الحرب على أوكرانيا.

وفى الوقت ذاته فإن روسيا تزعم باستمرار أهمية تعزيز التعاون فى القطب الشمالى وليس المنافسة العسكرية، داعية الولايات المتحدة إلى التخلى عن الخطاب الذى يأتى بنتائج عكسية، بزعم أن القطب الشمالى منطقة فريدة حيث يتم الجمع بين المصالح السلمية لجميع البلدان، وبدلا من المنافسة العسكرية، يجب أن يتم التعاون بشكل أوثق لمكافحة آثار الاحتباس الحرارى وحماية مصالح السكان الأصليين والحفاظ على التنوع البيولوجى، وذلك لضمان الأمن فى المنطقة التى تمتلك ثلث مساحاتها أكثر من نصف السكان وحوالى 70% من النشاط الاقتصادى فى القطب الشمالى.

ومن جانبه قال عضو الحزب الديمقراطى الأمريكى، ونائب رئيس التجمع العربى الأمريكى فى ولاية نيوجيرسى الدكتور مهدى العفيفى: إنه لا يمكن تعريف الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فى منطقة القطب الشمالى، على أنه حرب بارد، هناك مناطق نفوذ لواشنطن وموسكو فى هذه المنطقة، مشيرا إلى أن هناك حدود تم ترسيمها بين الدول المشاركة فى حدود منطقة القطب الشمالى، منذ زمن بعيد، وأن ما يجرى هو تسابق على الاستفادة من مصادر الطاقة، وخلق طرق ملاحية خلال القطب الشمالى.

ولفت "العفيفى"، إلى أن روسيا على وجه الخصوص تستغل ذوبان أجزاء كبيرة من الجليد الموجودة فى القطب الشمالى، لخلق طريق ملاحى يربطها بأمريكا الشمالية والجنوبية، منوها بأن هناك موطأ قدم للصين فى منطقة القطب الشمالى وكندا أيضًا، ولكن ليس بقدر النفوذ الأمريكى الروسى فى المنطقة، بل إن بكين تحاول استغلال الخلاف بين موسكو وواشنطن لوضع نفوذ لها فى المنطقة.

وأكد أن هناك كميات كبيرة من الغاز الطبيعى أسفل طبقات الجليد، لافتا إلى أن هناك صعوبة فى عمليات الحفر والاستخراج نظرا للظروف المناخية الخاصة لمنطقة القطب الشمالى، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة عملية استخراج النفط.

 

التواجد العسكري

وفيما يتعلق بالتواجد العسكرى أوضح مهدى العفيفى أن كلا من روسيا وأمريكا لهم تواجد عسكرى فى منطقة القطب الشمالى، نظرا لأهمية هذه المنطقة باعتبارها خزان نفط يؤمن احتياجات هذه الدول لعشرات السنين، مشيرا إلى أن التواجد العسكرى لا يعنى وجود جنود، ولكن التركيز الأكبر على محطات استكشاف أنشأها الجانبان، وتتفوق الولايات المتحدة الأمريكية فى الجانب التكنولوجى فى هذه المنطقة على روسيا، حيث تستخدم أقمار صناعية ومؤسسات بحثية لمراقبة المنطقة باستمرار، بالإضافة إلى هناك فرق فى الجيش الأمريكى تستخدم الدرونات لمراقبة المنطقة.

وتابع العفيفى، بأنه لا يتوقع نشوب حرب بين واشنطن وموسكو فى هذه المنطقة أو أي منطقة أخرى، لأن أي حرب بين أمريكا وروسيا تعنى حربا عالمية ثالثة تقضى على الأخضر واليابس، وهو ما لن تسمح به دول العالم.

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية