رئيس التحرير
عصام كامل

عمار يا بلد المشمش.. حكاية أسرة جمال مع حصاد الذهب بالقليوبية | فيديو وصور

حصاد المشمش
حصاد المشمش

أشجار متراصة وسط مزرعة متوسطة المساحة على أطراف قرية العمار الكبرى الكائنة بمدينة طوخ في محافظة القليوبية، يسير جمال عبد الغني بجلبابه الأبيض الذي يحمل آثار عمل شاق بدأ مع سطوع أشعة الشمس في الصباح، يعرف طريقه بين أغصان أشجار المشمش المتجاورة، وطوال مسيرته هذه من بيته حتى الأرض التي يتواجد بها أشجار المشمش تلك الفاكهة التي تشتهر قريته بزراعته منذ سنوات، يجمع الثمار التي نضجت وسقطت من الشجرة، في حين تجلس الزوجة على رأس الأرض تعبأ ما تم حصده سلفًا.

كان لنا لقاء مع أسرة الخمسيني جمال عبد الغني الذي قال لـ"فيتو": "البلد دي رقم واحد على مستوى الجمهورية في زراعة المشمش عشان كدا تلاقي كتير منا بيورث أرضه اللي فيها أشجار مشمش كثيرة وحتما عليه يتابع المحصول ويزرع ويروي ويجمع بإيده وقت الحصاد"، فأصبح مشهدًا مألوفًا على سكان القرية، أن يذهب الزوج في صباح يوم العاشر من مايو أول أيام حصاد المشمش في كل عام، ومعه زوجته بجلبابها الفلاحي أو كما يطلقون عليه "فستان العمار"، لتعاونه في جمع الثمرات المتساقطة من الشجرة، وتعبئة المحصول في كراتين وأقفاص.

تنتهي الزوجة والأم لثلاثة أبناء جميعهم يدرسون ويعملون في القاهرة، من أعمالها المنزلية، تحضر الجلباب الفلاحي الذي لا يمكن لأي سيدة متزوجة في العمار أن تخرج إلى الشارع بدونه، تحضر الكراتين التي ستعبأ بالمشمش الذي ينتقل إلى أسواق مصر المختلفة بعد ذلك، وتلحق بالزوج إلى المزرعة، تفترش الحصيرة وتحضر أدوات إعداد الشاي فأكواب الشاي التي يتم التناوب عليها بينها وبين زوجها ركن أساسي في إنجاز تلك المهمة، وببعد أن تنتهي من إعداده يشربه الزوج ويحمل "السيبا" وهو سلم خشبي بثلاثة أرجل وعدة طوابق يصعده المزارع وهو يحصد المشمش من الشجر، يصعد بجلبابه مفتوح الصدر ليعبأ به المشمش ثم ينزل ثانية للزوجة التي تتولى مهمة فرزه وتعبئته. 


المرأة في المكان تعمل كما الرجل، وهذه الأسرة الصغيرة التي شاء القدر أن يعمل أبنائها بعيدًا في مهن مختلفة، أصبح الأب والأم وحدهم هم من يأتون إلى المزرعة في وقت الحصاد الذي يبدأ في العاشر من مايو وحتى منتصف يونيو، بينما يأتي الأولاد في أيام إجازاتهم فقط لمعاونة الأب، لذلك تجد الاثنين يعملان معًا وفي خط متوازٍ في حصاد وفرز وتعبئة المشمش استعداد لنقله إلى الأسواق، تقول الزوجة: "أنا اتجوزت في التسعينيات ما كنش عند والدي شجر مشمش لذلك حينما تزوجت الحاج جمال تعلمت منه إزاي نفرز المشمش ونلمه من حول الشجرة وساعات كمان بشيل معه السيبا".

جمال: مهنة الحصاد نتعلمها في الصغر وتلازمنا في الكبر

لا يعمل العم جمال بالأساس كمزارع، ولكنه موظف حكومي ومزارع في الآن ذاته، وربما هذا الأمر يكون قدر الكثير من أبناء القرية الذي لديهم أشجار المشمش ويداومون على جمعه في كل عام، يقول العم جمال: "أنا  متواجد في الأرض دي مدى الحياة لحد ما أموت من وأنا عمري عشر سنوات، ومتربيين فيها ".

"أول مرة جيت هنا الأرض أنا وإخواتي كنا بنشيل مع والدي السيبا ونلم من الأرض ولما كبرنا أصبحنا إحنا اللي بنمار العمل ده ونجمع والحصاد وخلافه".

يشعر عم جمال بالفخر حينما يتحدث عن مشمش القرية والذي لا يعرف بالظبط متى أصبحت تشتهر به فهكذا يولدون ويموتو وقريتهم تزرع المشمش، كلما أثنيت على مذاق المشمش الذي يزرعونه هناك يجيبك قائلًا: "ده من أحسن سلالات المشمش على مستوى الجمهورية ومشمش العمار اللي بيميزه عن غيره هي التربة بتاعته بتكون طينية بتدي له طعم وحلاوة ولون غير أي مشمش تاني موجود في أي مكان".

ما زال عم جمال يستخدم الأدوات البدائية في جمع محصول المشمش والتي استخدمها مع والده في طفولته وشبابه، وهاهو يعتمد عليها في مشيبه أيضًا: "احنا بنستخدم نفس الأدوات من بداية ما اتوجد المشمش في العمار لحد اليوم ملهاش طريقة غير كدة بنطلع على السيبا ونحصده وطول ما في مشمش مش هتتغير"، وبالرغم من أنها تشكل خطرًا كبيرًا على مستخدمها لأنها لا تثبت في الأرض بطريقة سليمة وتهتز كثيرًا بالواقف على قمتها فتشعر وأنت تشاهده بأنه مهدد بالسقوط أرضًا في أي وقت: "هي بتشكل خطر لكن اللي هيخاف من الخطر مش هيشتغل ولا يروح ولا يجي طلوع الشجر بيشكل خطر ومع ذلك بنطلعه ونشتغل!".

يشعر عم جمال بالأسف بسبب تقلص أعداد الأشجار التي تزرع المشمش في القرية، فضلًا عن ذلك فقد عزف الكثير من الشباب والأجيال الجديدة عن صعود السيبا وجمع محصول المشمش كما اعتاد أن يفعل هو وإخوته وأبناء جيله، لكنه يرى أن الأمل لا يمكن أن ينقطع لأن شجر المشمش في العمار ميراث فلا يمكن لشجرة أن تقتلع جذورها  لمجرد أن صاحبها قد مات!

الجريدة الرسمية