سيدة تسأل: هل القرض حرام.. ورد مفاجئ من عالم أزهري | فيديو
ورد سؤال من متصلة في برنامج "إني قريب" المذاع على فضائية النهار تقديم الشيخ محمد أبو بكر أحد علماء الأزهر الشريف، تقول فيه:"أخي لديه إعاقة وأخذ قرضا من البنك لعمل مشروع وفتح محلا وسدد ثلاث أرباع القرض ولكن بعد أزمة كورونا توقف الحال وأغلق المحل ولم يستطع استكمال سداد القرض وانقلبت حياته رأسا على عقب فهل هذا بسبب حرمانية القرض؟".
وجاء رد الشيخ محمد أبو بكر على السيدة، بأن القرض أجازته دار الإفتاء المصرية وهي أعلى هيئة علمية في مصر، وبما أنه أجيز فلا يجلب أمر به خراب إن شاء الله، وإن كنت لا أميل للقروض إلا في حالة الضرورة آخذ برأى دار الإفتاء المصرية".
وتابع:" وأنا أقول ذلك لأني أجد بعض الأشخاص يتوسعون في القروض توسع فاحش من يأخذه لكي يغير العربية أو عشان يروح يصيف بشوف الناس دي، لكن الأخ الكريم ده معلوش حرمة ومش زي ما الناس بتقول ده ربا لا ده رجل مسكين ويريد أن يأكل لقمة عيش بالحلال".
وفي سياق ذي صلة فقد ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول فيه صاحبه" ما معنى ألفاظ: القروض، الديون، الودائع، الاستثمار؟ وهل هناك فرق بينها؟"، وجاء رد الدار على هذا السؤال كالتالي:
قبل أن أجيب على هذا السؤال أحبُّ أن أقول: إنه من المتفق عليه بين العقلاء أنَّ فهمَ الأمور فهمًا سليمًا يؤدي إلى الحكم الصحيح عليها؛ لأن معظم الأحكام الخاطئة كثيرًا ما يكون مردُّها إلى الفهم السقيم أو إلى الخلط بين معاني الألفاظ خلطًا يلتبس فيه الحقُّ بالباطل، وتحريرُ محلّ النزاع كما يقول العلماء يؤدي إلى حسن الاقتناع؛ وذلك لأن الألفاظ متى تحدَّدت معانيها والقضايا متى وضحت معالـمُها سَهُلَ الوصولُ إلى الاتفاق بين المختلفين.
وظهر الرأي الذي تؤيده الحجة القويمة وتطمئن إلى صحته العقول السليمة، وقد ثار الجدلُ حول بعض المسائل، واختلفت الآراء حول المعاملات المصرفية، وفي ظني أنَّ من أهم الأسباب لذلك عَدَمُ وضوح معاني بعض الألفاظ في الأذهان وتفسيرها تفسيرًا لا تؤيده المعاجم اللغوية ولا المصطلحات الشرعية، ويعجبني في هذا المقام قول بعض العلماء: لم يكن اختلاف الناس في الرأي واختلافهم في تطبيقه إلا وليد الاختلاف في تحديد مفاهيم الأشياء ومدلول الكلمات والمصطلحات.
تعريف القرض
بعد هذا التمهيد الموجز نأتي إلى بيان معاني هذه الألفاظ فنقول:
أ- لفظ القروض: جمع قرض، وقد عرفوه بأنه: المال الذي يُعطِيهِ المقرضُ للمُقْتَرِض ليُرد إليه مستقبلًا مثله إن كان مثليًّا أو قيمته إن عجز عن رد المثل، والذي يتدبر القرآن الكريم يرى أن لفظ القرض وما اشتق منه قد ورد في بضعة مواضع، وكلُّها جاءت بمعنى الإحسان إلى المحتاج والتصدق عليه ابتغاء الثواب من الله تعالى، ومن هذه المواضع قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً واللهَ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: 245]، أي: من هذا المؤمن القوي في إيمانه الذي يقدم جزءًا من ماله للمحتاجين والبائسين فيضاعف الله تعالى له الثواب أضعافًا كثيرة.
وكنى سبحانه عن الفقير بذاته العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبًا في الصدقة، والمقصود بالاستفهام هنا: الحض على البذل والسخاء، والمقصود بقوله سبحانه: ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ الحث على إخلاص النية وتحري الحلال، ولقد حضَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتباعه على تقديم العون للمحتاجين في أحاديث كثيرة، ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.. وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» رواه مسلم.
ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ قَرْضٍ صَدَقَةٌ» رواه الطبراني في "المعجم الصغير"، والبيهقي في "شعب الإيمان"؛ أي: كلُّ قرض يقرضه الإنسان لغيره له ثواب مثل ثواب الصدقة التي يتصدق بها على غيره، ومما تقدَّم يتبين بوضوح أن لفظَ القرض إما أن يستعمل بمعنى الصدقة، كما ورد في آيات متعددة من القرآن الكريم، وإما أن يستعمل بمعنى إعطاء المحتاج لضرورات الحياة ما هو في حاجة إليه من أموال على سبيل السلف إلى وقت مُعَيّن ثمّ يردّها إلى الـمُقْرِض، كما يتبين بوضوح أن ما تعطيه البنوك من أموال لرجال الأعمال ولأصحاب المشروعات التجارية أو الزراعية أو الصناعية أو غيرهم من الأغنياء لا يُسَمَّى قرضًا، وإنما يسمى استثمارًا لهذه الأموال في مقابل أن تأخذ البنوك منهم جزءًا من أرباحهم نظير استثمارهم لهذه الأموال في مشروعاتهم الإنتاجية المتنوعة.
الفرق بين القرض والدين
ب- وأما لفظ الديون: فهو جمع دين، يقال: دان الرجل يدين دينًا فهو مَدِين إذا كان عليه مالٌ لغيره يلتزم بردِّه له في وقت معين أو عندما يتيسر له ذلك، وقد ورد لفظ الدين بهذا المعنى خمس مرات في القرآن الكريم: أربع مرات في آيتين متتاليتين من سورة النساء هما الآيتان: (11-12)، ومرة واحدة في الآية رقم: (282) من سورة البقرة، والفرق بين لفظي القروض والديون أن لفظَ الديون أعمّ من لفظ القروض؛ لأنَّ الديون تُطْلَقُ على كل ما ثبت في الذمة للغير؛ فمثلًا إيجار مسكنك الذي لم تدفعه لصاحبه لمدة شهر أو أكثر يُسَمَّى دينًا، ومؤخر الصداق لزوجتك هو دين في رقبتك، أما القروض فتُطلَق على ما يُقَدِّمه الإنسان لغيره على سبيل الصدقة أو السلف إلى وقت معين.
ولا يصحّ لعاقل أن يلجأ إلى الديون أو القروض إلا من أجل ضرورات الحياة من مأكل أو مشرب أو ملبس أو دواء أو مسكن يؤويه؛ لأن الديون والقروض هموم بالليل ومذلة بالنهار، واليد العليا خير من اليد السفلى كما جاء في الحديث الصحيح، وقد قال بعض الحكماء: "استغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، ومن اعتمد على زاد غيره طال جوعه".
ويكفي من التنفير من الديون أو القروض أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد استعاذ بالله تعالى منها فقال: «اللهمَّ إِني أعوذُ بِكَ من المَأْثَمِ والمغْرَمِ» رواه البخاري ومسلم، أي: من الذنوب ومن كثرة الديون، وفي "الصحيحين" عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يُصَلِّي على رجل مات وعليه دين، فأتي بميت فقال: «أَعَلَيهِ دَيْنٌ؟» قالوا: نعم، عليه ديناران. فقال: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُم»، فقال أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه: هما عليّ يا رسول الله، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فتح الله تعالى على رسوله الفتوح قال: «أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا، فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ