مفتي الجمهورية: نعيش في تلوث فكري بسبب الجماعات الإرهابية
أكد الدكتور شوقي علام، مفتي جمهورية مصر العربية أن الإعلام رسالة سامية، وهو وسيلة فعالة في نشر القيم والأخلاق والاستنارة للعالمين.
وأوضح المفتي أن الإعلام الراقي هو ركيزة أساسية من ركائز تقدم الأمم والشعوب، فهو من أهم مؤسسات صناعة وتشكيل الوعي والاستنارة، فحضارات الأمم والشعوب تقاس بمدى ما يتمتع به إعلامه من مصداقية في الرسالة، وسمو في الغاية ونبل في الهدف، بلا ميل ولا تحزب لغير الحق والحقيقة، فالإعلام الجاد الذي غايته إظهار وعي الحق والوصول إلى الحقيقة عامل أساسي من عوامل نهضة الأمم وتقدمها، كما أن تشكيل الوعي الصحيح والفهم المستنير يسهم فيه الإعلام بنصيب وافر، حيث يقوم هذا الإعلام على إزالة كل ما يعلق بالعقل والوعي من شائعات وأوهام وأكاذيب وأضاليل، وكذلك محاربة كل ما من شأنه تزييف العقل في الجوانب العلمية أو الدينية أو السياسية.
جاء ذلك خلال كلمته في افتتاح الدورة العلمية لنخبة متميزة من مسئولي الإذاعات الإسلامية وكبيري المذيعين بها بأكاديمية الأوقاف الدولية بمدينة السادس من أكتوبر.
وأشار إلى أن هذه الضلالات من شأنها استهلاك طاقة العقل وطاقة الإنسان في ما لا يجدي ولا يفيد، وقد تجره تحت ستار من العقائد الآثمة إلى ارتكاب الجرائم الإرهابية والأعمال التخريبية على الرغم من أن مرتكب هذه الأعمال الآثمة ربما يحمل أرقى الشهادات العلمية لكنه عرض نفسه لإلغاء نعمتي العقل والعلم معًا، فحين عرض نفسه لهذا الكم من الشبهات والأفكار الزائفة بتلقيه المعلومات من غير المتخصصين، فقضية التخصص ركيزة أساسية في هذا الشأن ولا يقتصر على مجال دون مجال بل لا بد من مراعاتها في كل المجالات، فمن لجأ إلى غير الاختصاص فقد البناء المنهجي العلمي وازدادت العشوائية عنده، وازداد عندهم عدم تحملهم المسئولية في التعليم والإفتاء مع الغياب التام أو التغييب عن إدراك الواقع والمتغيرات، وأنه لابد أن تقوم مؤسسات صناعة الوعي وصياغة العقل بإعادة البناء، أولا بهدم أسس الزيف التي رسخها هؤلاء وإزالة هذا الركام من الأفكار التي بثتها تلك الجماعات المتطرفة عبر عشرات السنين من خلال العديد من الأبواق الإعلامية والأذرع الدعائية الموازية لإعلامنا الرسمي المؤسسي الجاد.
وأكد أنه من الضروري أن تكون رسالة الإعلام وهو في طريقه لبناء وتشكيل الوعي أن يقوم بحملات متعددة الوسائل لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وأن يلاحق الشائعات والأكاذيب التي تطلقها الأبواق الدعائية المضادة التي تعمل على تشويه صورة الدين والوطن، ولا شك أن هدم كل هذه الأكاذيب هي معركة للإعلام في المقام الأول، فالإعلام الجاد يلتزم المصداقية والجدية، وتفنيد الشبهات وتصحيح المفاهيم والأفكار وهو ما يطلق عليه في اصطلاح علماء الشريعة التصفية أو التخلية، فالتخلية قبل التحلية، فمقاصد الشريعة الستة أتى التشريع كاملا للحفاظ عليها بالبناء على أرض الواقع، ومواجهة التحديات التي تحاول هدم بناء الأمة، وقد اتخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أول لحظة كتبة للوحي، ثم أتى بعد ذلك دراسة الحديث وفق منظومة توثيقية لعلماء المسلمين لم يسبقوا إليها فالعقلية المسلمة عقلية توثيقية لا تلتفت للشائعات، فنحن في حاجة إلى البناء الصحيح في كل ما يتعلق بطبيعة الإسلام العالمية السلمية التي تحسن ربط المسلم بالآخرين، مع عدم الاقتصار على العلم الشرعي.
واشار الى ان القرآن دعانا إلى النظر في الكون والآفاق قال تعالى: " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا" ومن هنا قال علماء التوحيد: أول واجب على المكلف هو النظر الموصل إلى المعرفة بالله (عز وجل) المبنية على الدلائل القاطعة والبراهين الساطعة، فالعلوم التجريبية والشرعية يقومان على التلقي من العلماء المتخصصين، والتيارات المتشددة تخاصم العلم وتعادي العلماء وقد كان العلماء المسلمون قبل ظهور هذه التيارات المنحرفة يصدرون العلوم والحضارة الإسلامية إلى العالم كله، ومنهم ابن رشد الحفيد الذي كتب في كل شيء، في الفقه والطب وسائر العلوم، فالعلوم الشرعية والتجريبية تؤديان إلى المعرفة الحقيقية بالله (عز وجل)، وكان رجالات أوروبا يرسلون أبناءهم لتعلم شتى أنواع الفنون.
واضاف: الذي يفرق بين حالنا قديمًا وحديثًا هو حالة الوعي والعقل الذي لم يُلوث بالأفكار الإرهابية المتطرفة، ونحن اليوم نعيش في تلوث فكري أنشأته تلك الجماعات الإرهابية، لأنهم بنوا أفكارهم على مجرد أفكار مغلوطة ولم يعودوا إلى أهل الاختصاص، مؤكدًا أن رسالة الإعلام إذا تكاملت مع الرسالة العلمية والتربوية أنتجت لنا أجيالًا ناضجة في عقولها وعلومها، وانتجت لنا شعوبًا مستعصية على قبول الشائعات والأكاذيب ومؤسسات وطنية تعمل ليل نهار لرفعة هذا الوطن، فعلينا جميعًا أن نسهم في صناعة وتشكيل العقل المسلم على أسس علمية صحيحة.