النمط السوفيتي وسر الوصفة كارثية.. أسباب إخفاقات الجيش الروسي في أوكرانيا
يبدو أن المرحلة الثانية من العملية العسكرية الروسية التي أطلقت على الأراضي الأوكرانية لا تسير وفق الجدول الذي وضع سابقًا.
فبعد أن ركز الجيش الروسي قدراته على الشرق الأوكراني بهدف تحرير إقليم دونباس، وفق تعبيره، لا يبدو أنه يحقق ما كان مرتقبًا في هذه المنطقة التي شهدت منذ سنوات اشتباكات واضطرابات عدة، بحسب ما رأى عدد من الخبراء.
على النمط السوفيتي
وفي هذا السياق، قال مارك كانسيان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، لفرانس برس "كنا نتوقع أن يشن الروس هجوما من النمط السوفيتي، لكن هذا لم يحصل"، مضيفا "استقدموا وحدات بصورة تدريجية، خطوة خطوة".
كما أضاف: "النتيجة أن الجبهة في الشرق لم تشهد أي حركة ضخمة، وإنما مجرد ضربات جوية وباليستية روسية مكثفة، مقابل هجمات مضادة أوكرانية موضعية، لكن للمفارقة فقد أجبرت القوات الروسية على التراجع في مدينة خاركيف (شمال) وخسرت بلدات صغيرة في هذه المنطقة الحدودية، فتبين أن الجيش الروسي ليس تلك القوة الهائلة التي كان يخشاها العالم بأسره".
"ليس الجيش الأحمر"
إلى ذلك، رأى أن "هذا ليس الجيش الأحمر الذي كان يزحف نحو النصر تاركا قتلاه خلفه، إنه جيش صغير عليه أن يبقي خسائره نصب عينيه"، مشيرا إلى أن الروس "خسروا العديد من العناصر ذوي الكفاءة" خلال الأسابيع الأولى من المعارك الضارية.
وبعيدا عن الصورة المهيبة التي ورثها الجيش الروسي، يصف العديد من الخبراء الذين اتصلت بهم وكالة فرانس برس، العمليات الخارجية التي انخرط فيها مؤخرا بأنها خادعة، مشيرين إلى أن أيا من حروب روسيا في جورجيا عام 2008 والقرم عام 2014 وسوريا عام 2015 لم تهيئ قواتها لمواجهة مقاومة عسكرية بمستوى القتال في أوكرانيا.
التخطيط الروسي"
فقد أوضح ضابط فرنسي كبير سبب هذا الإخفاق، معتبرًا أن موسكو أساءت تقدير قدرات القوات الأوكرانية، وحين ظهر توازن القوة الحقيقي على الأرض، وجد الروس صعوبة في التعامل مع الأمر.
وتابع أن "التخطيط الروسي الحالي، على غرار تخطيط سلفه السوفيتي، يستند إلى حسابات رياضية لا تترك سوى هامش ضيق للمبادرة والتعامل مع حالات غير مطابقة للخطط" على الأرض.
استخبارات ضعيفة
فعلى الرغم من تركيز موسكو منذ نهاية مارس 80% من قواتها في الشرق، بالمقارنة مع 20% قبل ذلك، وتمكنها من إعادة نشر عدد كبير جدا من المدرعات ومن التكيف مع بعض تكتيكات الأوكرانيين، غير أن ألكسندر جرينبرج، المحلل في معهد القدس للأمن الاستراتيجية لفت إلى أن الكثير من نقاط الضعف التي لوحظت سابقا في محيط كييف تظهر اليوم في شرق البلاد، ومنها استخبارات ضعيفة وقدرة محدودة على المبادرة ووسائل لوجستية غير كافية ومعنويات متدنية لدى القوات في ظل خطة لا يفهم الجنود هدفها.
كما رأى أن "كل وحدة تخوض حربها الخاصة تكتيكيا واستراتيجيا"، مضيفا "حتى لو أعلن بوتين التعبئة العامة، من الصعب أن نرى كيف سيتخطى المشكلات التنظيمية البديهية".
وصفة كارثية
إلى ذلك، لا يحصر بعض المراقبين هذه الصعوبات بالجيش الروسي وحده، بل يؤكدون أنها تطال نظام موسكو برمته، مشيرين إلى أن رئيس هيئة الأركان فاليري جيراسيمون توجه شخصيا إلى الجبهة، ما يكشف عن ضعف في تفويض الصلاحيات.
وقال إيفان كليشتش الباحث في جامعة تارتو في إستونيا لفرانس برس إن "النظام يعتمد المركزية إلى حدّ أن بوتين نفسه يتولى عمليا السيطرة على مسائل يجدر أن تكون من صلاحيات عسكريين مهنيين".
كما أضاف أن "هذه وصفة تقود إلى كارثة وعامل ينبغي أخذه بالاعتبار عند النظر إلى الأداء السيئ" للقوات الروسية.
واعتبر أن "روسيا حددت لنفسها تحديا أساءت تقديره إلى حد كبير، أعلنت حربا لا يمكنها الانتصار فيها".
يذكر أن روسيا كانت أعلنت في 24 فبراير الماضي إطلاق عملية عسكرية على أراضي الجارة الغربية وصفتها حينها بالخاطفة، إلا أن الرياح على الأرض جرت عكس ما تشتهي السفن الروسية، فقد طال النزاع متخطيًا الزمن أو التواريخ التي وضعها الكرملين على ما يبدو، وسط توقعات غربية بأن تستمر أشهرًا بعد.
وبمعزل عما يمكن أن تحصل عليه روسيا من مكاسب، فهي خسرت الكثير، بحسب العديد من المراقبين، إذ اضطرت إلى مراجعة أهدافها الأساسية لتخفيضها، ولم تتمكن من استخدام بحريتها بل خسرت سفنا أبرزها سفينة القيادة "موسكفا" التابعة لأسطول البحر الأسود، وفشلت في السيطرة على الأجواء الأوكرانية وتكبدت انتكاسات على الأرض.