عاطف فاروق يكتب: فضيحة أخلاقية داخل جامعة عين شمس.. معيدة تتهم أستاذها بالتحرش.. والدكتور يتهمها بالسرقة العلمية
كنا ولا زلنا، شئنا أم أبينا، نستشعر تمام الرضا حينما يودعنا أبناؤنا وهم متجهون إلى الجامعة، فندعو لهم بالتوفيق، ونحن نتخيل مجلسهم بين يدي أساتذتهم الأجلاء لتلقي العلم، ونستحضر صورتهم وقد زادهم العلم خُلُقًا رفيعًا، إلى أن يحدثك أحدهم عن تبادل الاتهامات سواء كانت تحرش الأستاذ بالمعيدة أو قيام الأخيرة بالسرقة العلمية للحصول على الماجستير، وأن الأمر لم يُحسم داخل أروقة الجامعة، بل تطايرت وقائع الاتهامات نحو المحكمة، فتقف مذهولًا متسائلًا، هل رسب الأساتذة في الامتحان؟
وما من جامعة في العالم إلا وتحمل رؤيتها ورسالتها إشارة لأخلاقيات البحث العلمي، ولكن الإنسان بطبعه يجنح أحيانًا للخروج عن قواعد بيئة عمله، وهنا تبرز العقوبات التي تقترن قاعدة القانونية فتجعلها فتسبغ عليها الحماية التي تكفل نفاذها، ومعنا اليوم واقعة حيرت الباحثين الجادين في مجال البحث العلمي، ونرى أن سردها يؤكد أن الأصل هو اتباع أخلاقيات البحث العلمي، وأن الاستثناء الذي يوجب العقاب هو خرقها.
وبين حين وآخر يخرج علينا مَن يُدنِس ذلك المحراب، فينتفض سدنته دفاعًا عن مقدساتهم، وينادون بمعاقبة المعتدي، وهنا يجب أن تدخل اللوائح المنظمة لمساءلة أعضاء هيئة التدريس وفق طبيعة عمل كل منهم، وفي ضوء العلاقة التي تربطهم بالبحث العلمي، وإذا تدخل سدنة المحراب لمساءلة المخطئ في ميدان البحث العلمي فهم في هذا الصدد لا يخرجون عن طبيعتهم البشرية التي تُصيب وتُخطئ، ويكون للقضاء القول الفصل في التعقيب على مدى صحة تطبيق اللوائح المنظمة لمساءلة مَن يُخطئ من الباحثين أو تثور حوله الشبهات، فماذا حدث بين أستاذ الفلسفة والمعيدة باحثة الماجستير، وماذا قال القضاء في قضية اليوم؟
رسالة الماجستير
الدكتور (........) يعمل أستاذ فلسفة إسلامية متفرغ بقسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، وحصل على الأستاذية منذ 35 عامًا، وبمناسبة قيامه بالإشراف على رسالة الماجستير للباحثة (.......) المعيدة بذات القسم والمقيدة بدرجة الماجستير، فوجئ بقيامها بطباعة المسودة الأولى من الرسالة دون إذن منه، وإذ اكتشف وجود أخطاء جسيمة بالرسالة تتعلق بالتوثيق العملي، وكذا قيامها بالنقل من كتب علمية أخرى دون الإشارة إليها، الأمر الذي حدا به إلى إعداد مذكرة للعرض على عميد الكلية مرفقًا بها المستندات الدالة على قيام الطالبة المذكورة بالسرقة العلمية.
إلا أن الدكتور تلقى اتصالًا من مكتب نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العلمية طالبًا منه الحضور لمقابلة نائب رئيس الجامعة، وفوجئ بتقدم المعيدة باحثة الماجستير المذكورة بشكوى ضده تتهمه فيها بمحاولة التحرش بها، وفوجئ بصدور قرار الجزاء.
وباستقراء المحكمة لأوراق التحقيق الذي صدر بناء عليه قرار مجازاة الدكتور بعقوبة اللوم، تبين منه أنه لم يتم سؤاله ومواجهته بالمسئولية عما هو منسوب إليه بخصوص وجود تناقض في التقارير العلمية المقدمة منه بشأن رسالة الماجستير للمعيدة باحثة الماجستير، وذلك كاتهام جليّ وواضح ومخالفة إدارية وتأديبية منسوبة إليه حتى يكون على يقين وبيّنة منها ويستشعر خطورة موقفه ويُحاط علمًا بها ويتبين اتهامه فيها على نحو جدّي وواضح لا لبس فيه ولا غموض، ومن ثم يعمل وينشط ويسعى جاهدًا لدفعها عنه والدفاع عن نفسه.
المستشار القانوني
واكتفى المحقق بسؤال الدكتور عن قوله فيما جاء بالمذكرة موضوع الإحالة للتحقيق المقدمة من المستشار القانوني لرئيس الجامعة بشأن الباحثة، وكذا سؤاله عن قوله فيما جاء بشكوى المعيدة باحثة الماجستير المقدمة إلى نائب رئيس الجامعة دون مواجهته باتهام محدد أو مخالفات معينة منسوبة إليه.
وتبين أن اللجنة العلمية المحايدة التى شكَّلها رئيس الجامعة لبحث رسالة المذكورة للماجستير أكدت على عدم أمانتها العلمية بعد أن تبين لها وجود صفحات منقولة نقلا كاملا من مراجع علمية دون الإشارة إليها، كما قامت بانتحال مراجع موجودة في رسائل علمية أخرى دون الإشارة إليها، الأمر الذى ينفى عن الطاعن شبه التعسف أو التعنت فى الإشراف على رسالة المذكورة للماجستير.
وبالإضافة إلى ذلك فقد إكتفى المحقق بتوجيه أسئلة محددة إلى المعيدة المذكورة بشأن عدم أمانتها العلمية واتهامها للدكتور بالتحرش بها، دون مواجهته بردودها على هذه الأسئلة حتى يتمكن من إبداء رأيه فيها والرد عليها وبيان وجه نظره فى مدى صحتها، الأمر الذى يشكل إخلالا جسيما بالحق فى الدفاع من شأنه أن يؤثر سلبا على نتيجة ما انتهى إليه التحقيق معه
منطوق الحكم
وبذلك يكون هذا التحقيق قد وقع باطلًا، بما يؤثر على قرار رئيس جامعة عين شمس فيما تضمنه من مجازاة الدكتور بعقوبة اللوم، ومن ثم يؤدى إلى بطلانه، وبهذه المثابة فإنه يضحى حقيقًا بالإلغاء وما يترتب عليه من آثار، ولهذه الأسباب إنتهت المحكمــة إلى قبول الطعن رقم 66 لسنة 55 قضائية عليا شكلًا، وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس جامعة عين شمس، فيما تضمنه من مجازاة أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارة المصروفات.
كان ذلك طرفًا من المنازعة، وكم تمنينا أن تبقى صورة الأستاذ الجامعي في أذهاننا كما عهدناها دومًا، ولا تُشوهها سلوكيات قلة ممن نسوا سُمُو المهنة وأخلاقياتها.