عارض السادات ولُقب بـ"أبو المتصوفين".. محطات لا تنسى في حياة الشيخ عبدالحليم محمود
فيلسوف الفقهاء وفقيه المتصوفين وإمام المتقين هو الشيخ العلامة القدير، جمع بين الثقافة العربية والثقافة الفرنسية، اشتهر بالتصوف وعرف عنه أنه رأى فى منامه نصر أكتوبر المجيد قبل حدوثه، وأبلغ السادات بذلك، في مثل هذا اليوم 12 مايو 1910 ولد الإمام الاكبر عبد الحليم محمود ـ شيخ الازهر رقم 46 ـ بقرية أبو حمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، والقرية منسوبة إلى جده " أبوحمد" الذي أنشأ القرية وأصلحها، وتسمى الآن باسم قرية السلام.
ارسله والده للدراسة بجامعة السربون في باريس على نفقته الخاصة، واختار الطالب أن يدرس تاريخ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع وحصل في كل منهما على شهادة عليا، وفي نهاية 1973 التحق بالبعثة الأزهرية التي كانت تدرس هناك، وفاز بالنجاح فيما اختاره من علوم لعمل دراسة الدكتوراة في التصوف الإسلامي، وأن يكون موضوعها أستاذ الثائرين "الحارث بن أسد المحاسبي"، ونال عنها الدكتوراة بدرجة الامتياز، وقررت الجامعة طبعها بالفرنسية.
أستاذ الفلسفة الإسلامية
بعد عودته الدكتور عبد الحليم محمود بدأ حياته العلمية مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، ثم أستاذا للفلسفة بأصول الدين سنة 1951، ثم عميدا للكلية سنة 1964، وعين عضوا بمجمع البحوث ثم أمينا عاما له، ووكيلا للأزهر.
صدر قرار تعيين الدكتور عبد الحليم محمود شيخا للأزهر في 27 مارس 1973، وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه حتى أصدر الرئيس أنور السادات 1974 قرارا يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربى والإسلامي بتداخل الاختصاصات.
موقف شجاع
امتنع الشيخ عن الذهاب إلى مكتبه رغم محاولات الكثيرين إثنائه عن قرار الاستقالة وأحدثت هذه الاستقالة دويا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم أحد المحامين الغيورين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف طالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية مما اضطر السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه وجاء فيه: ان شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر على ان يعامل شيخ الازهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة،لكن اشترط الشيخ ان يهامل شيخ الازهر معاملة نائب رئيس الجمهورية لكن السادات اصدر قرارا بأن يعامل بدرجة رئيس الوزراء.
بدت بوادر الإصلاح واضحة في أداء الشيخ عبد الحليم محمود بعد توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذي حل محل جماعة كبار العلماء، فبدأ بتكوين الجهاز الفنى والإدارى للمجمع من أفضل رجال الأزهر، وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استغل في تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين.
أول مؤتمر للبحوث الإسلامية
عمل الشيخ على توفير الكفاءات العلمية التي تتلاءم مع رسالة المجمع العالمية، وفى عهده تم عقد أول مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسئولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم عنى بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.
ساهم الإمام عبد الحليم محمود في تكوين لجنة بمجمع البحوث الإسلامية، لتقنين الشريعة الإسلامية في صياغة مواد قانونية تسهل استخراج الأحكام الفقهية على غرار القوانين الوضعية، فأتمت اللجنة تقنين القانون المدنى كله في كل مذهب من المذاهب الأربعة.
تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر في وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس، وهم لا يتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام، ودعما لذلك تولى الدعوة للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ في التوسع في التعليم الأزهري،
أبو المتصوفين
أصدر الشيخ عبد الحليم محمود 100 منها 63 كتابا من تأيفه والباقى مترجمات، كتب منها الكثير عن المتصوفة حتى لقب بأبو المتصوفيين، أما أول كتبه فقصة كان قد ترجمها عن الفرنسية من تأليف أندريه موروا عام 1946، وهى رواية (وازن الأرواح ) وهى من روايات الخيال العلمى..ورحل الامام عام 1978 تاركا ذكرى طيبة ونموذجا فريدا.