رئيس التحرير
عصام كامل

العالم يترقب "مفاجآت بوتين" في "عيد النصر"

جنود روس يشاركون
جنود روس يشاركون في تدريبات استعدادًا لعيد النصر في موسكو

يترقب العالم غدًا احتفال روسيا الكبير بعيد النصر على النازية؛ حيث يكتسب العيد هذا العام أهمية خاصة على خلفية الحرب الدائرة في أوكرانيا.

ملايين في أنحاء العالم يستعدون لمشاهدة أرتال الجيوش والقطع العسكرية، وهي تعبر الساحة الحمراء في وسط موسكو، في العرض العسكري الضخم الذي غدَا تقليدًا سنويًا ثابتًا، منذ أن وضع الرئيس فلاديمير بوتين استراتيجيته لـ«استعادة أمجاد الدولة العظمى» خلال ولايته الرئاسية الثانية (2004 - 2008).

 

مفاجآت بوتين

يراقب العالم هذا العرض، وهو يتحسب لـ«مفاجآت بوتين» المنتظرة، وهي قد لا تقتصر على طرازات الأسلحة والمعدات الحديثة التي بات يمتلكها ساكن الكرملين ويزهو في كل خطاب ومناسبة بأنها «لا مثيل لها في العالم»، إذ يمتد الفضول إلى ما سيقوله الرجل وهو يقود الاحتفال قرب أسوار الكرملين، مدركًا أن العالم كله يراقب بإمعان شديد في هذه اللحظة، كل كلمة أو التفاتة يقوم بها.

لم يترك الغرب الكثير من مجالات التأويل أمام موظفي الكرملين الذين يعكفون حاليًا على وضع الصياغة الأخيرة لخطاب بوتين، إذ بدا خلال الأسبوع الأخير كأن دوائر الأجهزة الخاصة ووسائل الإعلام الغربية قد وضعت عدة نسخ من الخطاب المنتظر، فهي استبقت جهد الرئيس الروسي الذي يحرص على مراجعة كل جملة في خطاباته، ويضع هوامشه وعباراته الخاصة فيها.

 

الخطاب الموعود

«كشف» الغرب في البداية أن بوتين سيسرع عملياته استعدادًا لإعلان نصر في أوكرانيا في الخطاب الموعود. 

كان على الجيش الروسي إذن أن يحسم القتال في غضون أسبوعين قبل الموعد المنتظر ثم قال إن بوتين سيعلن في هذا اليوم، «حربًا شاملة» على أوكرانيا، منهيًا مرحلة «العملية العسكرية الخاصة». وأكد أنه سيعزز جيشه في أوكرانيا بإعلان التعبئة العامة في البلاد.

وفي رواية أخرى للخطاب المنتظر، توعدت تقارير غربية العالم بـ«يوم القيامة» الذي سوف يلوح به بوتين في وجه خصومه خلال الاستعراض العسكري الضخم في عيد النصر. والمقصود هنا طائرة من طراز «إليوشن 80» تعد الأحدث في سلاح الطيران، وحملت تلك التسمية الغريبة لأنها كما يقول البعض مجهزة لنقل كبار الجنرالات والقادة السياسيين إلى مخابئ آمنة في حال اندلعت مواجهة نووية.

كل «اكتشافات» الغرب في خطاب بوتين المنتظر، لم تجد ما يؤكدها. وواصل الكرملين اعتماد سياسة الغموض، وتكتم بشدة على المفاصل الأساسية لحديث الرئيس الروسي في المناسبة الأهم في البلاد. من المؤكد فقط أن الرئيس الروسي سيضع، كما يقول خبراء، «النقاط على الحروف» في التقويم الروسي لمسار العمليات العسكرية الجارية ومآلات مراحلها المقبلة.

 

مكانة خاصة

تحظى المناسبة بمكانة خاصة عند الروس، فعيد النصر على النازية قد يكون المناسبة الوحيدة التي تجمع عليها كل مكونات الشعب الروسي، بقومياته المتعددة وتوجهاته المختلفة، والتي لم تتغير مكانتها وأهميتها مع كل التقلبات والمآسي التي شهدتها روسيا في عهود التراجع والعوز وفقدان الهيبة، بل بالعكس من ذلك، ظلت المناسبة المدخل الأساسي للتذكير دائمًا بأمجاد الدولة العظمى في السابق.

ولا يرتبط ذلك فقط بالرمزية الكبرى التي تحملها فكرة «الانتصار» في «الحرب الوطنية العظمى»، وهي التسمية الروسية للحرب العالمية الثانية. إذ يدخل هنا الحرص على استعادة زخم «الدور التاريخي» لروسيا، عبر إعلاء شعار أن «روسيا أنقذت العالم» من شرور هتلر، وصولًا إلى الفكرة المهمة التي رسختها بقوة الدعاية الرسمية على مدى السنوات الأخيرة، وهي أن «الروس قادمون» لإنقاذ البشرية مجددًا من كل خطر أو تهديد.

 

أهمية خاصة

هنا تكمن الأهمية الخاصة للمناسبة في هذا العام، انطلاقًا من أن روسيا في الحرب الأوكرانية تواجه «حربًا عالمية» لا تكاد تختلف، وفقًا للدعاية الرسمية، واستنادًا إلى اتساع نطاق المواجهة على الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية عن الحرب الكبرى التي خاضها الاتحاد السوفياتي في الأعوام بين 1941و1945، والأهم أن «العدو» في الحالتين هو «النازية»، كما جاء مرارًا في تبرير المسؤولين الروس للعملية العسكرية في أوكرانيا. وقد تعكس كلمات جينادي زيوجانوف، زعيم الحزب الشيوعي الروسي، المؤيد تمامًا سياسات الكرملين في أوكرانيا حاليًا، منطق السياسة الداخلية الموجهة بقوة لعقد المقارنات بين «النازية التي هزمها الاتحاد السوفياتي في أواسط القرن الماضي، والنازية التي سوف تنتصر عليها روسيا حتمًا» في المواجهة الحالية. هكذا قال زيوجانوف، وهو يؤكد لأنصاره في احتفال أن أوكرانيا الحالية بقيادتها «النازية لا تختلف كثيرًا عن نظام هتلر، وربما تكون أسوأ».

على هذه الخلفية، لن يراقب معظم الروس غدًا العرض العسكري في الساحة الحمراء إلا مع قناعة راسخة بأن «المشهد يتكرر»، وأن العرض المقبل قد تسير فيه أرتال المنتصرين في حرب أوكرانيا كما سارت منذ 77 سنة أرتال العائدين من الحرب الكبرى التي توجت بالانتصار.

الجريدة الرسمية