رئيس التحرير
عصام كامل

«مصر الديمقراطية» خلال «15 عامًا».. المعشر: الجدول الزمني للرئاسة المؤقتة «غير واقعي».. الشعب المصري متجانس عكس التجربة الليبية.. القاهرة ستستعيد دورها التاريخي رغم الصعو

 مروان المعشر
مروان المعشر

قال مروان المعشر نائب الرئيس للدراسات في مؤسسة كارنيجي الأمريكية، حيث يشرف على أبحاث المؤسسة في واشنطن وبيروت حول شئون الشرق الأوسط، ووزير خارجية الأردن الأسبق: إن الجدول الزمني المعلن من قبل الرئاسة المؤقتة في مصر غير واقعي، معبرا عن خشيته أن يُكتب دستور جديد قبل إنجاز مصالحة وطنية تضمن مشاركة الجميع، فتعود مصر إلى نقطة الصفر.


وتوقع المعشر أن يحصل في مصر، بعد فترة قد تمتد إلى عشر سنوات أو 15 سنة، توافق وطني حول إدارة البلاد في المرحلة المستقبلية.. كما تحدث المعشر عن الوضع القائم في الدول العربية قبل الثورات العربية، وقال إنه وضع لم يكن قابلا للاستمرار، مشيرا إلى أنه عرف استقرارا زائفا، بمعنى أنه ليس استقرارا طبيعيا، وإنما كان مفروضا بالقوة.

وذكر المعشر أنه كان مبكرا الحديث عن «ربيع عربي»، كما أنه من المبكر الحديث عن خريف أو شتاء عربي، موضحا أن «أي عملية تحول في التاريخ إذا نظرنا إلى كل دول العالم، أخذت عقودا من الزمن».

* ما تقييمكم في مؤسسة كارنيجي للأوضاع فيما يسمى بـ«دول الربيع العربي»، خاصة في مصر وليبيا، حيث لا يبدو أن الأمور على ما يرام البتة؟

- أولا، بشكل عام، أود القول إن الوضع القائم في الدول العربية قبل الثورات العربية لم يكن وضعا قابلا للاستمرار.. كان هنالك استقرار زائف، بمعنى أنه ليس استقرارا طبيعيا وإنما كان مفروضا بالقوة.. وكان الأفق السياسي مغلقا لدى كثير من هذه الدول العربية.

الآن بعد الثورات العربية، الجميع يريد أن يحكم على الوضع الجديد بعد مضي أقل من ثلاث سنوات عليها.. وأعتقد أنه كان مبكرا الحديث عن ربيع عربي، كما أنه من المبكر الحديث عن خريف أو شتاء عربي، أي عملية تحول في التاريخ إذا نظرنا إلى كل دول العالم، أخذت عقودا من الزمن، وبالتالي يجب الحكم عليها من منظور تاريخي، بأنها عملية كان يجب أن تبدأ باعتبار أن الوضع الماضي لم يعد قابلا للاستمرار.

الآن نتكلم عن مصر وليبيا.. والبلدان يختلفان تماما؛ إذ لا يمكن النظر إلى ليبيا كما يُنظر إلى مصر، مصر حضارة قديمة جدا، وشعبها متجانس إلى حد كبير، وهناك شعور بمصرية المواطن قبل حتى أن تكون هناك دولة مصرية حديثة.

ما شاهدناه في مصر قبل تدخل الجيش، لا أعتقد أنه كان خارجا عن المألوف، هناك وضع جديد؛ القوة الإسلامية التي كانت قوى معارضة في السابق تسلمت الحكم من دون أن يكون لديها أي خبرة في ذلك، والقوى المدنية لا تريد أن تعترف بهذا الوضع الجديد الذي نشأ.. بعبارة أخرى، تتعامل القوى الإسلامية التي كانت في السلطة بمصر حتى وقت قريب وكأن الانتخابات تعني كل شيء، وتتيح لها تغيير طبيعة الشعب المصري، وتتعامل القوى المدنية وكأن الانتخابات لا تعني أي شيء، وأنه ليس هنالك مجال للديمقراطية إلا إذا كانت هذه الديمقراطية على تفصيل هذه القوى، دون غيرها. هذا ما نحن بصدده في مصر.

وفي رأيي، فإننا سنبقى نشهد ذلك إلى فترة؛ شد وجذب بين جميع هذه القوى، إلى أن تدرك كل القوى المدنية والدينية منها استحالة إقصاء الآخر، وإلى أن تدرك أن البلاد لن تحكم إلا بطريقة تشاركية، ربما على غرار ما نشهده في تونس، على الرغم من الشد والجذب القائم فيها. إلا أن القوى الفاعلة في تونس لديها إلى حد ما إدراك أكثر من مصر بضرورة التشارك في السلطة، والتوافق على الدستور الجديد، وما إلى ذلك. أنا أعتقد أن مصر بعد فترة قد تمتد إلى عشر أو 15 سنة سيحصل فيها توافق وطني حول إدارة البلاد في المرحلة المستقبلية.

* لكن كيف تتصورون خروج مصر من أزمتها الحالية بعد عزل الرئيس محمد مرسي من طرف الجيش؟

- يتحتم على الجانبين إدراك استحالة إقصاء الآخر. أعتقد أنه من الضروري الاتفاق أولا على مدونة حقوق تتضمن التداول السلمي للسلطة، وحق الجميع في العمل السياسي، وتمنع مصادرة هذا الحق من أي شخص كان، كما تضمن الحقوق الفردية لجميع المواطنين والمواطنات، وحقوق الجماعات الدينية والثقافية، وتمنع سن أي قوانين تتعارض مع ذلك، خاصة التدخل في الحياة الشخصية للناس، حتى تتوفر الطمأنينة لكل القوى بضمان حقوقها بغض النظر عمن يوجد في السلطة. بعد ذلك يمكن كتابة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

إن الجدول الزمني المعلن من قبل الرئاسة المؤقتة غير واقعي، وأخشى أن يُكتب دستور جديد قبل إنجاز مصالحة وطنية تضمن مشاركة الجميع، فتعود مصر إلى نقطة الصفر.

* من خلال حديثك عن الوضع في ليبيا ومصر، يبدو أنك مقتنع أن الأمور في البلدين ستظل على حالها على امتداد السنوات العشر أو الـ15 المقبلة. أنتم في معهد كارنيجي، هل لديكم سيناريوهات حول مستقبل المنطقة خلال الفترة المقبلة؟

- لا أحد يستطيع التنبؤ بالمستقبل بشكل دقيق جدا، وكل من يقول غير ذلك أعتقد أنه مخطئ. نحن ندرس ما يجري أولا في السياق التاريخي لما جرى في أماكن أخرى من العالم، الديمقراطية في الولايات المتحدة أخذت أكثر من 100 عام بعد حرب أهلية، وبالنسبة للديمقراطيات في أوروبا لنتذكر أن دولا مثل إسبانيا والبرتغال واليونان لم تصبح ديمقراطيات إلا في عقد السبعينات من القرن الماضي، ألمانيا كانت ديكتاتورية حتى عام 1945، وما إلى ذلك.

وبالتالي، من السذاجة الاعتقاد بأن هذه العملية التحويلية سينتج عنها ديمقراطية في وقت قريب. وهناك عامل آخر يقف وراء ذلك هو أن الثورات الشعبية العربية لم تؤطر فكريا حتى الآن. وبعبارة أخرى، الشعب نزل للتظاهر، وأظهر بشكل واضح ما لا يريد؛ لا يريد الاستبداد ولا يريد حكم الحزب الواحد، أي حزب القائد الأوحد، وما إلى ذلك، لكنه لم يجر حتى الآن تأطير واضح لما يريده الشعب. صحيح أنه جرى رفع شعارات عريضة من قبيل الكرامة والعدالة الاجتماعية، لكن هذه الشعارات تبقى من دون مضمون تفصيلي. أوروبا الشرقية عندما ثارت ضد الاتحاد السوفياتي عام 1989، كان واضحا ما تريده، ليس فقط التخلص من الحكم السوفياتي، ولكن أيضا الاقتراب سياسيا واقتصاديا من المجموعة الغربية، هذا ليس ما يجري في العالم العربي الآن، لا اقتصاديا ولا سياسيا. ففي أوروبا الشرقية كان هناك تأطير فكري واضح، وأعتقد أنه ستمر سنين بل ربما عقود، قبل أن نتمكن من هذا التأطير الواضح.

* الآن هناك تنافس حقيقي بين ثلاثي إسرائيل وإيران وتركيا على المنطقة، أين هم العرب من هذا التنافس؟

- هناك فراغ عربي كبير واضح، وهو فراغ كان موجودا قبل بدء الثورات العربية. هناك فراغ في القيادة، وفراغ في الرؤية، وفراغ في التخطيط السليم الذي يؤدي إلى مجتمع تعددي ومزدهر في الوقت نفسه. وبطبيعة الحال، في أي مرة يحصل فيها هذا الفراغ، من الطبيعي أن تحاول دول أخرى أن تملأ مثل هذا الفراغ، هذا ربما سيستمر إلى حين، لأنه ليس من الواضح أن هذا الفراغ سيُملأ عربيا في وقت قريب، ولكن في الوقت نفسه، أنا متفائل بأن الثورات العربية، وإن كانت ستمر بظروف عصيبة جدا نشهدها جميعا، وبعد مرور فترة من الوقت، فإن دولة مثل مصر، على سبيل المثال، لا بد أن تستعيد توازنها، ولا بد أن تستعيد ثقلها في الوطن العربي، لأن أي دول مهما كان لها تأثير خارجي لا يمكن أن تستبدل تطلعات شعوب المنطقة.
الجريدة الرسمية