صحوة طبقة المنبوذين.. اغتصاب مراهقة داخل مركز شرطة بالهند يشعل غضب الداليت
تعيش طبقة الداليت في الهند حالة من الدونية بلغت مداها بعد حادث مؤلم لطفلة مراهقة تبلغ من العمر 13 عام اثر تعرضها للاغتصاب الجماعي لعدة ايام على يد 4 رجال وعندما قررت التوجه للشرطة اغتصبها رئيس مركز الشرطة ليكون الخامس وليسطر بيديه حال طبقة المنبوذين في نيودلهي.
اغتصاب طفلة من الداليت
ليفتح الحادث جراح اغتصاب 2012 في الهند والذي تسبب في تظاهرات عارمة اثر اغتصاب جماعي لفتاة من احدى الطبقات الدونيا داخل حافلة ما تسبب في اندلاع تظاهرات في الهند؛ والذي اطلق ناقوس الخطر تجاه العنصرية الطبقية المتاصلة داخل المجتمع والتي تكشف من هم طبقة المنبوذين«الداليت».
وبداية تنقسم الطبقات الاجتماعية في الهند تحت أربع طبقات أساسية صارمة، تعرف باسم فارنا، واستندت وفق الكتاب المقدس للعقيدة الهندوسية «فيدا» إلى المهن والأعمال التي يقوم بها أفراد كل طبقة، وهي البراهمة وكشاتريا وفايشيا والشودرا.
وتتربع طبقة البراهمة على قمة الهرم الطبقي وتشمل (الكهنوت والمدرسون والمثقفون ووحدهم من يقومون على تفسير الكتاب المقدس وتطبيقه ويعتقد، بحسب الديانة الهندوسية، أنهم جاؤوا من رأس الإله)؛ ثم طبقة كشاتريا (المحاربون والحكام ويعتقد أنهم جاؤوا من ذراعي الاله)؛ بعدها تأتي طبقة فايشيا (المزارعون والتجار الذين جاؤوا من فخذيه)، وفي أدنى السلم الطبقي تأتي طبقة الشودرا (العمال وممارسو المهن اليدوية الوضيعة، الذي جاؤوا من قدمي الاله)؛ وهناك طبقات أصغر «جات» ضمن الطبقات الكبرى «فارنا».
ونظام الطبقات الصارم في الهند لا يرحم ولا يسمح لأفراد كل طبقة بالاختلاط والتواصل مع أبناء طبقة أخرى؛ وهناك حدود صارمة تفصل بين الطبقات، والتنقل الصعودي نادر جدا ومن هنا تاتي مأساة طبقة الداليت.
الداليت المنبوذون
المنبوذون.. القذرون.. الأنجاس تلك هي بضع كلمات يوصف بها أفراد طبقة «الداليت»، وهي الفئة التي تقع خارج النظام الطبقي، وتعد من الظواهر الأقسى والأكثر عنصرية في العالم.
يؤدي أفراد هذه الطبقة الأدنى وظائف بغيضة مثل تنظيف المراحيض وإزالة القمامة والتخلص من الحيوانات النافقة، التي تتطلب منهم أن يكونوا على اتصال مع سوائل الجسم؛ لذلك ينظر اليهم على أنهم نجسون وملوثون، ومجرد لمسهم يصيب بالدنس والنجاسة.
ولديهم مداخل منفصلة لمنازلهم ويشربون من آبار مياه منفصلة؛ ولا يحصلون على فرص متساوية في التعليم أو الوظائف، وغالبا ما يكونون ضحايا للاستغلال والإيذاء والعنف.
وهم من بين أكثر مواطني الهند تعرضا للاضطهاد بسبب التسلسل الهرمي للطائفة الهندوسية، الذي لا يرحم، ويضعهم في أسفل السلم على الرغم من القوانين التي تحميهم، يظل التمييز حقيقة يومية لأبناء الداليت، الذين يعتقد أن عددهم يبلغ حوالي 200 مليون نسمة.
ورغم أن الدستور الهندي ألغى رسميا طبقة المنبوذين منذ عام 1950، والتمييز القائم على أساس الطبقة الاجتماعية، فإن شيئا حقيقيا لم يتغير على أرض الواقع.
ولا يتمتع المنبوذون بأي حقوق في المجتمع؛ وفي أجزاء مختلفة من الهند يعاملون بطرق مختلفة، في بعض المناطق كان الموقف تجاه المنبوذين قاسيا وصارما، وفي مناطق أخرى كان أقل صرامة.
وفي المناطق التي كان فيها الموقف أقل تشددا، ينظر إلى المنبوذين على أنهم أشخاص نجسون وملوثون، وكانت مساكنهم بعيدة عن المناطق التي يسكنها أبناء الطبقات العليا؛ كما لا يسمح للمنبوذين بلمس أشخاص من الطبقات الأربعة العليا، ولا يسمح لهم بدخول منازلهم.
واذا حصل أي اتصال بين أحد المنبوذين وفرد من جماعة الطبقات العليا، لأي سبب من الأسباب، يصبح مدنسا، وعليه أن يغمر أو يغسل بالماء لتطهيره.
وفي المجتمعات الصارمة، خصوصا بين أبناء الطبقات الثلاث الأولى، كان على من تعرضوا للمس المرور عبر طقوس دينية معينة لتنقية أنفسهم من التدنيس الذي تعرضوا له.
واذا دخل المنبوذ الى المنزل ولمس أغراض أحد أبناء الطبقات العليا، يقومون بغسل أو تنظيف الأماكن التي لمسها المنبوذ أو مشى عليها؛ وفي بعض الحالات، كانوا يتعرضون للضرب وحتى القتل بسبب ذلك.
وفي الماضي كان يعمل لدى أفراد الطبقة الأصغر البارزين (جات) خدم، وظيفتهم الذهاب أو المشي قبلهم وإعلان قدومهم إلى الشوارع، والتأكد من أن الشوارع ستكون خالية من المنبوذين.
ومنذ سبعة عقود، حظر مؤسسو الهند ما بعد الاستعمار التمييز الطبقي، وكرسوا التمييز الايجابي في الدستور؛ وشمل ذلك تخصيص وظائف حكومية وأماكن في التعليم العالي لأبناء طبقة الداليت.
ومع مرور الوقت، أدت المبادرات الحكومية للحد من التمييز بين الطبقات، إلى تمكين أبناء الطبقات الدنيا من الوصول إلى مناصب سياسية عليا، وأبرز مثال على ذلك انتخاب ك. ر. نارايانان، الذي ينتمي الي طبقة الداليت رئيسا للبلاد بين 1997 – 2002.
لكن ورغم جهود الاصلاح تلك، فان التحيزات العميقة الجذور والاستحقاقات بقيت ثابتة بين الطبقات العليا، في حين لا يزال الأشخاص الموجودون في المراتب الدنيا يواجهون التهميش والتمييز والعنف.
وكما يقول النشطاء في مجال رفع الظلم عن هذه الفئة، إن التطلعات المتزايدة في الآونة الأخيرة، بين شباب الداليت حسنت حياتهم، لكن هذا زاد أيضا من العنف ضدهم من قبل أفراد الطبقات الأعلى الذين لا يستطيعون تقبل ذلك.
ارتكاب جرائم كراهية
وتفاقمت جرائم الكراهية ضد الداليت في السنوات الأخيرة، مما أثار انتقادات لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، بسبب إثارته للانقسامات الاجتماعية؛ ويعتبر الحزب الموطن الطبيعي للمتشددين الهندوس، الذين يهاجم بعضهم المسلمين لتناولهم لحوم البقر، والهندوس من الطبقة الدنيا بسبب صلاتهم بتجارة لحوم البقر.
وتشير العديد من الدراسات إلى التحيز الراسخ للطبقات في المناطق الريفية في الهند؛ ويحصل ما يقرب من ثلث الداليت على أقل من دولارين في اليوم، والعديد منهم لا يحصلون على التعليم أو المياه الجارية؛ وتظهر الدراسة علامات على التغيير مع انتقال المزيد من الهنود إلى المدن (نصفهم سيكونون سكان المدن في غضون عقدين)، ويظهر الشباب (حوالي نصف السكان تحت سن 25) تسامحا أكبر؛ وفي حين أن %5 فقط من الزيجات الهندية عابرة للطبقات.
ولنفهم جذور المشكلة في ان تكون من احد ابناء طبقة الداليت فعلينا ان نعلم ان الانتماء للطبقات الدونيا لا تملي الطبقة الاجتماعية وظيفة الفرد فحسب، بل تملي أيضا العادات الغذائية والتفاعل مع أفراد الطبقات الأخرى؛ ويتمتع أفراد الطبقات العليا بالثروات والفرص (وينتمي معظم مليارديرات الهند الي طبقة فايشيا)، ويستغلون المجموعات الفقيرة التي تقع في أسفل السلم الهرمي.
كما تلعب الطبقة الاجتماعية دورا في كل مرحلة من مراحل الحياة الاقتصادية للمواطن الهندي؛ فطبقته ستحدد نوع المدرسة التي يمكنه الانضمام اليها والطريقة التي يعامل بها من قبل أساتذته وتفاعله مع زملائه في الفصل؛ وفي سن الرشد، ستحدد طبقته ما اذا كان سيستفيد أم لا من برنامج العمل الايجابي في التعليم العالي، ولاحقا الوصول إلى الوظائف الحكومية.
وكذا على مدار حياته العملية، ستحدد الطبقة التي ينتمي اليها المواطن كيفية تقييمه من قبل أرباب العمل المحتملين، بينما، بالتوازي، تساعده الشبكات المنظمة حول طبقته الاجتماعية في العثور على وظائف جديدة؛ فالشبكات المتداخلة القائمة على الطبقات ستزوده بالائتمان وتساعده في تأسيس عمل تجاري اذا كان يتمتع بموهبة ريادة الأعمال وتوفر له التأمين ضد المخاطر المالية والأمان المالي في سن الشيخوخة.
ويمتد تأثير الطبقة إلى ما بعد النشاط الاقتصادي الخاص؛ اذ تعد الطبقات الاجتماعية مكونا قويا وأساسيا في السياسة الانتخابية في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث تستهدف الأحزاب السياسية الموارد العامة لطبقة معينة في مقابل الحصول على أصوات أبنائها وفظل هذا التعريف المطول.
لم يشهد التاريخ احتجاج الداليت
ووفق العقيدة الهندوسية، فإن طبقة الداليت تستحق كل هذا الظلم فالأرواح الشريرة التي اقترفت الآثام في حياتها الأولى عوقبت بالتناسخ في أجساد المنبوذين«الداليت»، ونتج عن هذا الاعتقاد استمرار توارث هذه الفئة للأحوال البائسة التي تعيشها، الى جانب الاحتقار من الفئات الأخرى، التي تتجنبهم اتقاء اللعنة التي قد تصيبهم اذا ما تواصلوا معهم بأي طريقة كانت.
فيما لم يشهد التاريخ ثورات لأفراد طبقة الداليت احتجاجا على أوضاعهم المعيشية والاقتصادية المزرية، لأنهم بحسب اعتقادهم الهندوسي، يستحقون المعاناة التي فرضتها عليهم «الآلهة»، بينما تعاملهم الطبقات الأخرى بقسوة تقربا الى الآلهة، وهم يقبلون بذلك خضوعا لأمر «الآلهة» لارتباط هذا الظلم باعتقاد ديني راسخ.
جرائم بحق الداليت
لا يزال الداليت يواجهون الفظائع على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، ويتم قمع أي محاولات لحراك اجتماعي واختلاط بين الطبقات بعنف. ويتعرض أبناء هذه الطبقة للتهديد والضرب والقتل لأتفه الأسباب:
التهديد لركوب الخيل: «تعرض براشانت سولانكي، وهو رجل من الداليت في أواخر العشرينات من عمره، للتهديد بمهاجمته وعائلته من قبل مجموعة من القرويين من الطبقة العليا، وذلك لركوبه حصانا مزينا لحضور حفل زفافه، لأن ذلك يعتبر امتيازا لأفراد الطبقة العليا فقط».
قتل لجلوسه واضعًا رِجلًا على رِجل: «وقتل رجل من أبناء الداليت في ولاية تاميل نادو الجنوبية من قبل رجال من الطبقة العليا، بعد أن جلس وهو يضع رجلا على رجل أمامهم، أثناء حضور طقوس دينية في المعبد؛ ووصف الهندوس من الطبقة العليا ذلك الفعل بـ«المشين والمهين».
جُرّدوا من الملابس وضُربوا بسبب السباحة: «وجرد ثلاثة صبية من الداليت من ملابسهم وضربوا وتم اجبارهم على المشي في الشوارع عراة في ولاية مهاراشترا الغربية، لأنهم سبحوا في بئر تابعة لعائلة من الطبقة العليا».
تعرض للضرب لارتدائه حذاء «ملكيًا»: «كما تعرض ماهيش راثود، صبي من الداليت يبلغ من العمر 13 عاما، للهجوم في ولاية غوجارات الغربية لارتدائه حذاء موجريس mojris، وهو نوع من الأحذية الجلدية ينظر اليها تقليديا على أنها أحذية ملكية ويرتديها أفراد الطبقة العليا في بعض أجزاء الهند».
ووفقا لوسائل اعلام محلية، فقد تم الاتصال به من قبل مجموعة من الرجال الذين سألوه عن الطبقة التي ينتمي اليها، وعندما قال انه من الداليت، قاموا باساءة معاملته «لتظاهره بأنه عضو من الطبقة العليا من خلال ارتدائه الجينز وحذاء موجريس وسلسة من الذهب».
قتل الزوج: «وشهدت الهند مقتل أكثر من شاب تحدى التمييز الطبقي وتجرأ على الزواج من احدى بنات الطبقات الأعلى في المجتمع؛ اذ قتل براني بيرومالا وهو من طبقة الداليت أمام زوجته أمروثا التي تنتمي الى عائلة ثرية من طبقات المجتمع العليا، في جريمة خطط لها والد الزوجة لاعتراضه وشعوره بالخزي والعار لزواج ابنته من أبناء طبقة منبوذة اجتماعيا».
وفي حادثة أخرى مشابهة هوجم الشاب «شانكار، 22 عاما، أمام زوجته وضرب حتى الموت في وضح النهار على طريق مزدحم في جنوب الهند لتزوجه من امرأة من طبقة أعلى منه؛ بعد أن نجت الزوجة من الهجوم اتهمت والديها بأنهما وراء مقتل زوجها».
قتل لامتلاكه حصانًا: «فيما تعرض مزارع شاب من طبقة الداليت للضرب حتى الموت، بسبب امتلاكه وركوبه الخيل؛ وقال والد الضحية ان أحد الأشخاص من الطبقة العليا في مجتمع كاتشوريا (المحاربون) حذر ابنه من ركوب الحصان لأن هذا امتياز لأفراد الطبقة العليا».
وينظر إلى امتلاك حصان كرمز للقوة والثروة في أجزاء من الهند؛ «وعثر على براديب راثود، 21 عاما، ميتا في بركة من الدماء بالقرب من قرية تيمبي في ولاية غوجارات في حين عثر على الحصان ميتا في مكان قريب».
الضرب بسبب الشوارب: «كما تعرض شاب من طبقة الداليت في جوجارات للضرب بسبب شاربه؛ وبعدها قتل ابن عمه طعنا بالسكين على يد نفس الرجال وهم من جماعة راجبوت الذين ينتمون لمكانة أعلى في المجتمع، بحجة أنه لا حق لهما بتربية شاربيهما».
كما تعرض رجل من الداليت في جوجارات للضرب حتى الموت، «بزعم مشاهدته لأبناء الطبقة العليا وهم يرقصون اثناء احتفال بأعياد الهندوس في دوسيهرا».
قتل لتناوله الطعام أمام رجال الطبقة العليا: «وضرب مجموعة من رجال الطبقة العليا الشاب جيتندرا، 21 عاما، وهو من أبناء الداليت ضربا مبرحا أدى الى وفاته، وجريمته المزعومة هي أن تجرأ وجلس على كرسي وأكل أمامهم في حفل زفاف».
وتلك الحالات توثق الاضطهاد العنصري ضد طبقة الداليت او المنبوذين في الهند على الرغم من الحراك القانوني والنصوص التي تؤسس للمساواة وتحسين الاوضاع في الهند غير ان المجتمع الهندي وخاصة الطبقات العليا ترفض تلك النصوص لتجعلها في الاخير مجرد حبر على ورق وتترك الهند حبلى بانفجار مدمر حال الثورة على الطبقية والعنصرية المتاصلة فيها منذ الاذل.