ذكرى وفاة الولد الشقي.. محمود السعدني رائد الكتابة الساخرة في الوطن العربي
في مثل هذا اليوم من عام 2010 توفي الكاتب الصحفي محمود السعدني، عملاق الكتابة الساخرة في الوطن العربي، والشقيق الأكبر للفنان صلاح السعدني، أحد كبار كتاب الصحافة المصرية الذي علم قطاع كبير من أبنائها فن السحر بالورقة والقلم.
من حياة السعدني
ولد محمود عثمان إبراهيم السعدني في محافظة الجيزة، وعمل في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة، وكانت انطلاقته الكبرى من مجلة «الكشكول» التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتى إغلاقها.
ثورة 1952
أيد السعدني ثورة 23 يوليو، وعمل في جريدة الجمهورية التي أصدرها مجلس قيادة الثورة، وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي، لكن بعد تولي السادات منصب رئاسة البرلمان، تم الاستغناء عن خدمات محمود السعدني من جريدة الثورة أسوة بالعديد من زملائه منهم بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي.
عمل من جديد في مجلة روز اليوسف الأسبوعية مديرًا للتحرير عندما كان إحسان عبد القدوس رئيس التحرير وكانت روز اليوسف حينها مجلة خاصة تملكها فاطمة اليوسف والدة إحسان.
موقف غريب أحدث انقلابا في حياة محمود السعدني، أثناء زيارة صحفية إلى سوريا قبيل الوحدة بين البلدين، حيث طلب أعضاء الحزب الشيوعي السوري من السعدني توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر فقام بتسليمها لأنور السادات دون أن يعلم محتواها، وكان في الرسالة تهديدا لعبد الناصر.
فورا ألقي القبض عليه وسجن ما يقارب العامين وأفرج عنه بعدها وعاد للعمل في روز اليوسف بعد أن أممت، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة صباح الخير، وانضم إلى التنظيم الطليعي، وكان له في تلك الفترة نفوذ كبير.
وعقب وفاة عبد الناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسئولين المحسوبين على التيار الناصري مثل شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمود فوزي وغيرهم، وانتهى الصراع باستقالتهم واعتقال السادات لهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب، وكان اسم محمود السعدني ضمن أسماء المشاركين، وتمت محاكمته أمام محكمة الثورة وأدين وسجن.
حاول الرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي التوسط له عند السادات لكنه رفض وساطته وقال أن السعدني أطلق النكات عليه وعلى أهل بيته لاسيما زوجته جيهان السادات، ويجب أن يتم تأديبه ووعد بعدم الإفراط في عقابه.
بعد قرابة العامين في السجن أفرج عن السعدني وصدر قرار جمهوري بفصله من صباح الخير ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات، ليقرر بعد فترة قصيرة من المعاناة مغادرة مصر والعمل في الخارج.
السعدني في المنفى
غادر السعدني مصر متوجهًا إلى بيروت واستطاع الكتابة بصعوبة في جريدة السفير، ثم سافر عام 1976 إلى أبوظبي للعمل كمسئول عن المسرح المدرسي في وزارة التربية والتعليم بالإمارات، ولم ترق له الفكرة، ليعمل مرة آخرى في إدارة تحرير جريدة الفجر الإماراتية.
أدخل السعدني إلى الإمارات مدرسة روز اليوسف الصحفية المصرية بكل ما كانت تتميز به من نقد مباشر وتركيز على الهوية القومية والابتعاد قدر الإمكان عن التأثير المباشر للحاكم وصانع القرار، وكان ذلك سببا في التضييق عليه.
أضطر السعدني إلى مغادرة أبوظبي إلى الكويت ليعمل في جريدة السياسة الكويتية مع الصحفي أحمد الجار الله، ولكن الضغوط لاحقته هناك أيضًا، فغادر إلى العراق ليواجه ضغوط من نوع جديد ليغادر أخيرا إلى لندن.
تمكن السعدني بالاشتراك مع آخرين من إصدار مجلة 23 يوليو في لندن وكانت أول مجلة عربية تصدر هناك، وحققت نجاحًا كبيرًا في الوطن العربي لالتزامها بالخط الناصري، لكن بعد حصار عليها انهارت وتوقفت عن الصدور، وعاد السعدني بعد أن اغتيل أنور السادات في حادث المنصة الشهير في 6 أكتوبر 1981م واستقبله مبارك.
صدر للسعدني عدة كتب هي الأفضل في الكتابة الساخرة حتى الآن، وتعتبر من أروع ما كتب في أدب السيرة الذاتية في الأدب العربي، بدأها محمود السعدني من نهاية الستينيات وحتى منتصف التسعينيات، وحملت عناوين مثل الولد الشقي، والطريق إلى زمش.
بعد معاناة مع المرض توقف على أثرها عن العمل الصحفي، وانتهى المطاف بالكاتب الكبير في الحياة، وتوفي يوم الثلاثاء 4 مايو 2010 عن عمر يناهز 82 عامًا إثر أزمة قلبية حادة.