طرح الزواج العرفي في تونس بمسلسل "براءة" يثير الجدل حول أخونة المجتمع
تسبب طرح قضية الزواج العرفي في تونس من خلال مسلسل ”براءة“، لمخرجه سامي الفهري، صدمة لدى الجمهور والنقاد، الذين اعتبروا أن هناك تكلفًا في طرح الموضوع المحسوم قانونيًّا، وذهب البعض إلى حد التحذير من التسويق لـ ”أخونة“ المجتمع.
ولفت مسلسل ”براءة“، الذي بثه تلفزيون ”الحوار التونسي“ على امتداد عشرين حلقة في رمضان، الأنظار من حيث المضمون والطرح والبناء الدرامي، وأثار ردود فعل غير مسبوقة من النقاد والفنانين.
وقال الفنان المسرحي لطفي العكرمي إن ”مثل هذه المضامين ليست من أولويات المشاهد والجمهور التونسي؛ لأنها لا تسلط الضوء على القضايا الرئيسية للمواطن“.
وأضاف أن مسلسل ”براءة“ بهذا المضمون المثير للجدل فيه توجيه لأخونة المجتمع التونسي، مشيرًا إلى أن القانون حسم مسألة الزواج العرفي منذ الاستقلال، وبالتالي فإن العودة إلى طرح هذا الأمر لا حاجة لنا به.
واعتبر العكرمي أن ”ثمة مضامين كان من المفترض أن تكون مطروحة في الساحة الفنية، مثل المضامين التاريخية أو حتى مضامين مهمة تمس المواطن في مرحلة ما بعد الثورة التونسية“.
ومن جهته، قال المخرج التونسي نزار الكشو، إن المسلسل لا يخلو من سوء النية والخبث.
وفسر ذلك قائلًا: ”من وجهة نظر درامية، فإن أكثر نقطة في العمل الدرامي مبنية على افتعال الأحداث، وليس بناء الفعل، وهذا ما كشف عن ضعف بناء السيناريو حتى أصبح وكأن هناك شهوة أراد الفهري افتعالها، وهي التركيز على المسكوت عنه دون بنائية درامية“.
وأوضح الكشو أن العمل على مثل هذه المسائل كان متسرعًا على مستوى الفعل وردة الفعل؛ ما أساء إلى العمل الفني بشكل عام“.
وأشار إلى أنه على مستوى الواقع والمجتمع ثمة عديد المسائل أسوأ من ظاهرة الزواج العرفي، ونحن لسنا إزاء نقل الواقع، وهنا يطرح السؤال: هل أن الفن هو نقل للواقع أم إعادة إنتاج له؟“.
وقال: ”أرى أن سامي الفهري في ”براءة“ لم يكن بريئًا في إعادة إنتاج الواقع، وإنما أراد أن يصدم الناس بواقعهم كما هو“.
وفسر ذلك بالقول: ”يعني هذا أنه ليس ثمة اجتهاد لا في كيفية العمل الدرامي والفني على مثل هذه المضامين ولولا الحضور المهم لبعض الممثلين لما خرج العمل بتلك الطريقة ”، وفق تأكيده.
وحول عرض هذه الأعمال، قال الكشو: ”أنا ضد مختلف هذه الأعمال التي تعرض خلال شهر رمضان، بما في ذلك سلسلة حرقة؛ نظرًا لما تخلفه من أثر صادم في ذات المتفرج خلال شهر رمضان“.
ودعا إلى ضرورة الاشتغال على بعض الأعمال المتعلقة بأحداث تاريخية أو شخصيات لها وزن يمكن أن ترفه عن نفسية المواطن التونسي لا تزرع فيه طاقة سلبية وكآبة مطلقة خاصة في شهر رمضان.
وفي المقابل، دافع الناقد السينمائي التونسي، خميس الخياطي، عن فكرة طرح مسألة الزواج العرفي في تونس من الناحية الفنية، وقال إنه وجب معالجة الظاهرة من خلال مثل هذه الأعمال، ولا ضرر في طرحها.
وأشار الخياطي إلى أن حديث الممثل فتحي الهداوي عن الزواج العرفي أثار منذ الحلقة الأولى جدلًا كبيرًا لدى المتلقي، وهو ما دفع الجمهور إلى إغفال التطورات الدرامية للمسلسل.
واعتبر أنه لا يمكن الحكم على مدى نجاح المسلسل في طرح هذه الظاهرة أو الحكم عليه بأنه أساء إلى المجتمع التونسي والعادات التونسية إلا بعد انتهاء المسلسل، ولا يمكن أن نتحدث عن إشكال إلا حين يتم تبني فكرة الزواج العرفي والمس بقيم الجمهورية، وفق تعبيره.
وعلقت الناقدة الفنية، سميرة الدامي، في مقال لها نشرته صحيفة ”لابراس“ التونسية الناطقة بالفرنسية، بأن طرح الموضوع بحد ذاته يُنظر إليه على أنه قديم، وعفى عليه الزمن، وهو محسوم بشكل نهائي من خلال قانون مجلة الأحوال الشخصية.
وأشارت إلى أن آراء أخرى تعتبر أن هذه الظاهرة موجودة بالفعل خاصة منذ صعود التيارات الإسلامية والمتطرفة في عام 2011، مذكرة بأن هناك 1778 حالة زواج عرفي نظرت فيها المحاكم، وأنه من الطبيعي أن تركز الكاميرات على المشكلة.
وأكدت أنه سواء كانت الظاهرة موجودة أم لا، فإن المخرج سامي الفهري حر في طرحها، إذ لا يوجد موضوع محظور في الخيال، ولكن المهم هو طريقة العلاج: كيف يتم الطرح؟ وما هي الرسالة التي يجب أن تنقلها؟“.